الفصل الرابع عشر
الفن الكاريكاتوري
مما يذكر عن جريدة «نيويورك تيمس» الأمريكية أن مديرها وجد في انتشارها ركودا أو تخلفا عن سائر الجرائد التي تباريها في السوق، فشرع يتصفحها كي يهتدي إلى علة هذا الركود، وبعد دارسة للصفحات والأبواب قصد إلى رئيس التحرير واقترح عليه أن يبحث عن محرر قد اعتاد الشراب يكتب كل يوم حديثا للقراء يتألف من خطرته «السكرانة».
فلما سأله رئيس التحرير عما بعثه على هذا الاقتراح أجابه بأن علة الركود في بيع الجريدة هي أنها مسرفة في الجد ليس فيها كلمة مزاح أو نكتة مضحكة، وأن القراء يسأمون الجد ويحتاجون إلى شيء من الهزل من وقت لآخر.
وعلى هذا الأساس اتجهت الصحف الكبرى إلى أن تخصص جزءا من أعمدتها للكتاب المرحين، ولا تكاد تخلو جريدة من مثل هؤلاء الكتاب الذين يرفهون عن القراء بأحاديثهم.
والصورة الكاريكاتورية هي ترفيه أنيق، يحتاج إلى إعمال الفكرة واستخلاص النكتة في صورة تنطق أحيانا عن معناها، بحيث لا تحتاج إلى كتابة شيء يفسرها ويوضحها أو هي تحتاج إلى أقل الكلمات.
وقد ظهرت الصورة الكاريكاتورية عندنا منذ حوالي 1920 واختصت بها مجلة الكشكول التي كان يصدرها المرحوم سليمان فوزي، وكان يهدف منها في كثير من الأحوال إلى غير ما خصصت له، فكان ينتقل بها من الترويح إلى التشهير بالوفديين، ولكنه مع ذلك فتح الباب وشق الطريق.
ثم جاء محمد التابعي فجعل منها دراسة في مجلاته التي كان يصدرها مثل روز اليوسف وآخر ساعة، وشاعت بعد ذلك في بعض مجلاتنا، ولكن جرائدنا اليومية لم تأخذ بها إلا منذ قريب، وهي مع ذلك لم تعم جرائدنا حتى الآن.
والصورة الكاريكاتورية خاصة وعامة، فهي خاصة حين تتناول إحدى الشخصيات فتبرز فيها سمتها أو موقفها في شأن عام، وهي عامة حين تجعل من معناها نكتة لها قيمتها الاجتماعية، وهي بهذين النوعين تعالج السياسة كما تعالج الاجتماع، وتوضح الأخبار والاتجاهات.
والغاية من الصورة الكاريكاتورية هي - كما قلت - التخفيف من جدية الجريدة، وهي تروح عن القارئ لأنها تضحكه، ولكن لماذا يضحك؟
Unknown page