وألف المرحوم أمين عثمان الوزير الوفدي جمعية «للصداقة» الإنجليزية المصرية، كان شعارها أننا نحن المصريين قد تزوجنا الأمة الإنجليزية زاوجا كاثوليكيا لا تفصم عراه، وكان كل من ينضم إلى هذه الجمعية من الصحفيين يجد أجود الورق بأرخص الأثمان، بشرط الإبقاء على الزواج الكاثوليكي.
ولا أكاد أتخيل صورة أفظع من هذه الصورة في إفساد الصحف المصرية، وقد فسدت أو فسد الكثير منها، كما يدل على ذلك هذا الحادث التالي:
ذات يوم دعاني أحد أصحاب الصحف، فلما قعدت إليه وأخذنا في الحديث فهمت أنه يرغب في أن أتولى رياسة التحرير، وشرع يثني علي كثيرا، ولم يكن عندي ما يمنع من قبول هذا العرض، وجعلنا نتحدث قرابة الساعة عن وجوه الإصلاح في الصحيفة، ونتناولها صفحة بعد أخرى بالنقد والاقتراح هنا وهناك، ونقترح أسماء لمحررين نحتاج إليهم، وانتهى اجتماعنا بأن أفهمني بأنه سيكالمني بالتليفون في اليوم التالي، وودعته وخرجت.
ومضت أيام لم يكلمني فيها ولم يعتذر، وصادف لقائي لأحد الوزراء وكانت له به علاقة متينة، فشكوت إليه هذه المعاملة التي بخسني بها، فكان جوابه السريع الصريح: «اسمع يا أستاذ، فلان هذا لا يوظف محررا في صحيفته إلا بعد استئذان السراي، وأنت تعرف رأي السراي عنك؛ فلا بد أنه استشارهم فأشاروا عليه بألا يجعل لك صلة بصحيفته».
ولا أنسى أن أقول إن هذه الصحيفة كانت وقتئذ تفهم الجمهور أنها معارضة للسراي.
وكان منصب «مدير المطبوعات» من المناصب العليا في الدولة، ولكن الحكومة الفاسدة كثيرا ما كانت تعين أفسدت الناس وأجهلهم لهذا المنصب؛ لأنها كانت تخشى الرجل المستقل النزيه المثقف الذي قد يأنف مما يطلب منه من اتباع خطط سافلة مؤذية للجمهور أو للصحفيين.
وأذكر أني قصدت ذات يوم إلى واحد من مديري هذه الإدارة لشأن صحفي، فلما هممت بالدخول إلى غرفته منعني سكرتيره وأفهمني أن هناك مسائل خطيرة جدا يشتغل بها مدير المطبوعات، وأني يمكن أن أنتظر حتى ينتهي منها.
وقعدت مع السكرتير، وطال انتظاري، فسئمت وأخذت استفسر منه عن هذه المسائل «الخطيرة» التي يشتغل بها مدير المطبوعات الذي كنت قد خبرته من قبل ووجدت فيه أتفه رجل عرفت.
ولكن السكرتير رفض أن يبوح، وعندئذ لم أباله، وهممت إلى الباب واقتحمته، فماذا وجدت؟
وجدت مدير المطبوعات هذا، الذي يشرف على الصحف، ويوجه الرأي العام، ويطلب إنذار صحيفة وإلغاء أخرى، ويقدم الصحفيين للنيابة العامة، ويعين مقدار الإعلانات والمصروفات السرية، وجدت هذا المدير قاعدا وأمامه عراف مشهور في القاهرة بأنه يرى الحظ ويتكهن عن المستقبل عن طريق النجوم والودع ، وكان الموضوع الذي حضر من أجله هو أن يخبر المدير عن التاريخ الذي ستقال فيه الوزارة أو تستقيل حتى يتهيأ بخطط معينة للوزارة القادمة.
Unknown page