والمغزى أن مصنعا أجنبيا كان يتغلب على مصنع مصري ويقتله، والنتيجة أني أنا وأنت أيها القارئ المصري كنا نخسر بهزيمة الصحف المصرية التي يعطلها الحاكم.
والعلاج الوحيد هو أن ننقل العقاب من الصحيفة إلى الصحفي؛ فالصحيفة المصرية مصنع يجب ألا يقفل بأية حال، فإذا حدثت عن سبيلها جناية فلنعاقب الجاني وهو الشخص الكاتب، ولا نعاقب الصحيفة. فلنفرض أن جريدة البلاغ مثلا ارتكبت جناية، فلنقبض على المرتكب ونعاقبه، أما الجريدة فيجب أن تصدر كل يوم لأنها في نفسها لا ترتكب الجناية وإنما هناك شخص أو أشخاص يرتكبونها وهم الذين يستحقون العقاب.
وقد كان القدماء يعاقبون الآلة التي ارتكبت بها الجريمة فيتلفونها، ولكننا ارتقينا عليهم وقصرنا العقاب على الشخص الجاني.
أما الآلة فشيء نافع يجب أن يستمر في العمل، فإذا فرضنا أن قاطرة داست بعض الناس وقتلتهم فنحن لا نتلف القاطرة بل نعاقب السائق، ونترك القاطرة تؤدي خدمتها للجمهور بعد أن يتسلمها سائق آخر خبير بالسياقة ، وهكذا يجب أن تكون الحال في الصحافة عندما ترتكب إحدى الصحف جناية، نعمد إلى الكاتب فنجلده أو نحسبه أو نشنقه، ولكن يجب أن تترك الصحيفة تصدر كل يوم وتؤدي خدمتها للناس لأنها هي الآلة، وهي حديد وحبر وورق، لا يمكنها وحدها أن ترتكب جناية، وإنما المرتكب شخص يمكن استبداله وعقابه، ثم في إقفال الجريدة أو المجلة قتل لصناعة مصرية يجب أن تشجع وتعيش مثل سائر الصناعات.
الفصل الثاني
لما كانت الصحافة محتقرة
أذكر أني في 1923 احتجت إلى أن أستأجر مسكنا بالقاهرة، وقصدت إليه وعاينته وارتضيته بأجرة شهرية قدرها سبعة جنيهات، وشرعنا في كتابة عقد الإيجار، وما هو أن فهمت مالكة المسكن أني صحفي حتى انتفضت من مقعدها وهي تقول: «جرنالجي» ويدفع منين سبعة جنيهات في الشهر؟
ورفضت التوقيع على العقد، ولم تجد معها المناقشة والشرح، وخرجت وأنا أتعثر في ثوب الخيبة.
واستطعت، بعد أن تشفعت بقريب لها، وبعد أن دفعت مقدما أجرة ثلاثة أو ستة شهور، أن أحصل على رضا المالكة وعلى المسكن.
وقد مضى على هذه الحادثة 35 سنة، ولكني أذكرها كي أبين للقارئ المكانة المحتقرة التي كان الصحفي يحتلها في المجتمع المصري، وكانت كلمة «غازيتجي» من الكلمات التركية التي تعني «صحفي»، وكانت مألوفة عند الطبقة الحاكمة في بداية هذا القرن، وكانت تحمل معنى التشرد والفقر والصعلكة.
Unknown page