وعلى هذا المثل يقاس أمر الحب ونكده وجنونه؛ فما هو على قدر المرأة، ولا بمقدار مما تعطيه، وإنما هو استخذاء المعاني الإنسانية، وخضوعها لصفة حيوانية واحدة ينصرف كل ما في هذا الإنسان إليها، والأمر بعد كما قال أحد الأطباء في تعليل الجوع إذ قال: إن المعدة متى خوت ،
15
وفرغت من طعامها الذي كان فيها بعثت أعصابها الباطنة برسائلها العصبية إلى ساقة المخ،
16
وإلى مركز الأعصاب في العمود الفقري؛ تؤذن بأنه صار من الممكن إرسال طعام آخر. قال: فتترجم مراكز الأعصاب السفلى هذه الرسائل إلى جوع ...
وقل أنت مثل ذلك في القلب، فإنه متى وقعت امرأة من حاجته موقعا، ظمئ إليها؛ فأرسل رسائله العصبية إلى المخ بأنه من الواجب ... إطفاء هذا الغليل المحرق، فتترجم مراكز الأعصاب هذه الرسائل إلى حب!
وأنت أعلى عينا
17
بأن هذا كله نقل للمعاني الحيوانية إلى اللغة التي تحرك النفس فتلجئها إلى تسخير قواها في دفع الألم إن كان حقيقة أو خيالا؛ فإذا أضلعك أمر الحب، وضقت به، وعجزت أن تصرف القلب عن رسائله، فأشغل العقل عن ترجمتها، وأحكم معاقد هذه الخيالات ومقاصدها، وازدر تلك الحيوانية، وأبق الدرهم على قيمته ... ولا تحسبن المرأة مطيعة أكثر مما فيها، ولا تتوهمن أحسن ما يبدو لك منها إذا سحرت به على عينك إلا صورة مسحورة من أقبح ما فيك أنت، فإن قررت في نفسك هذه القواعد، وأجريت عليها ما يترجم لك العقل من رسائل القلب، جاءك من هذه الرسائل الحكمة، والفلسفة، والكبرياء، والأنفة، أو الصبر والأناة، وخضت الغمرة
18
Unknown page