المجلد الأول
مقدمة
...
بسم الله الرحمن الرحيم
ربّ يسّر وأعن
قال الشيخ الإمام، العالم، العلامة، شمس الأعلام، لسان المتكلمين، أوحد العلماء العاملين، جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي ﵀: الحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى، حمدًا إذا قابل النعم وفَى، وسلامًا إذا بلغ المصطَفين شفَى، وخصّ الله بخاصة ذلك نبينا المصطفى، ومن احتذى حذوه من أصحابه وأتباعه واقتفى، وفقنا لسلوك طريقهم فإِنه إذا وفّق كفى.
كتاب "حلية الأولياء"
أما بعد: فإِنك الطالب الصادق، والمريد المحقق لمّا نظرتَ في كتاب "حلية الأولياء" لأبي نعيم الأصبهاني أعجبك ذكر الصالحين والأخيار، ورأيته دواء لأدواء النفس، إلا أنك شكوتَ من إطالته بالأحاديث المسندة التي لا تليق به وبكلامٍ عن بعض المذكورين كثير قليل الفائدة، وسألتَني أن أختصره لك وأنتقي محاسنه، فقد أعجبني منك أنك أصبتَ في نظرك، إلا أنه لم يكشف لك كل الأمر، وأنا أكشفه لك فأقول:
مساوئه:
اعلم أن كتاب الحلية قد حوى من الأحاديث والحكايات جملة حسنة إلا أنه تكدّر بأشياء وفاتته أشياء.
فالأشياء التي تكدر بها عشرة:
الأول: أن هذا الكتاب إنما وضع لذكر أخبار الأخيار، وإنما يراد من ذكرهم شرْح أحوالهم وأخلاقهم ليقتدي بها السالك، فقد ذكر فيه أسماء جماعة ثم لم ينقل عنهم شيئًا من ذلك، ذكر عنهم ما يروونه عن غيرهم أو ما يسندونه من الحديث، كما ملأ ترجمة هشام بن حسان بما يروى عن الحسن، وتلك الحكايات ينبغي أن تدخل في ترجمة الحسن لا في ترجمة هشام، وكذلك ملأ ترجمة جعفر بن سليمان بما يروى عن مالك بن دينار ونظرائه، ولم يذكر له عنه شيئًا.
1 / 9
والثاني: أنه قصد ما ينقل عن الرجل المذكور، ولم ينظر هل يليق بالكتاب أم لا، مِثْلَ ما ملأ ترجمة مجاهد بقطعة من تفسيره، وترجمة عكرمة بقطعة من تفسيره، وترجمة كعب الأحبار بقطعة من التوراة وليس هذا بموضع هذه الأشياء.
والثالث: أنه أعاد أخبارًا كثيرة مثل ما ذكر في ترجمة الحسن البصري من كلامه، ثم أعاده في تراجم أصحابه الذين يَروْنَ كلامه، وذكر في ترجمة أبي سليمان الداراني من كلامه، وأعاده في ترجمة أحمد بن أبي الحواري بروايته عن أبي سليمان.
والرابع: أنه أطال بذكر الأحاديث المرفوعة التي يرويها الشخص الواحد فينسى ما وُضع له ذِكر الرجل من بيان آدابه وأخلاقه، كما ذكر شُعبة وسفيان ومالك وعبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل وغيرهم، فإنه ذكر عن كل واحد من هؤلاء من الأحاديث التي يرويها مرفوعة جملة كثيرة، ومعلوم أن مثل كتابه الذي يقصد به مداواة القلوب إنما وُضع لبيان أخلاق القوم لا الأحاديث، ولكل مقام مقال، ثم لو كانت الأحاديث التي ذكرها من أحاديث الزهد اللائقة بالكتاب لَقَرُبَ الأمر، ولكنها من كل فن، وعمومها من أحاديث الأحكام والضعاف. أو لو كان اقتصر على الغريب من روايات المكثرين، أو رخم ما يرويه المقلون كما روي عن الجنيد أنه لم يُسنِد إلا حديثًا واحدًا لكان ذِكْرُ مثلِ هذا حسنًا لكنه أمعن فيما لا يتعلق ذكره بالكتاب.
والخامس: أنه ذكر في كتابه أحاديث كثيرةً باطلة وموضوعة، فقصد بذكرها تكثير حديثه وتنفيقُ رواياته، ولم يبين أنها موضوعة ومعلوم أن جمهور المائلين إلى التبرّر يخفى عليهم الصحيح من غيره، فَسَتْرُ ذلك عنهم غشٌ من الطبيب لا نصح.
والسادس: السجع البارد في التراجم، الذي لا يكاد يحتوي على معنى صحيح خصوصًا في ذكر حدود التصوف.
والسابع: إضافة التصوف إلى كبار السادات كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن وشُريحْ وسفيان وشعبة ومالك والشافعي وأحمد وليس عند هؤلاء القوم خَبَر من التصوف.
فإن قال قائل: إنما عنى به الزهد في الدنيا وهؤلاء زهاد،
قلنا: التصوف مذهب معروف عند أصحابه لا يقتصر فيه على الزهد بل له صفات وأخلاق يعرفها أربابه ولولا أنه أمر زِيدَ على الزهد ما نُقل عن بعض هؤلاء المذكورين ذمّه، فانه قد رَوى أبو نُعيم في ترجمة الشافعي رحمة الله عليه أنه قال: "التصوف مبني على
1 / 10
الكسل، ولو تصوف رجل أول النهار لم يأت الظهر إلا وهو أحمق".وقد ذكرتُ الكلام في التصوف ووسّعتُ القول فيه في كتابي المسمى بتلبيس إِبليس.
والثامن: أنه حكى في كتابه عن بعض المذكورين كلامًا أطال به لا طائل فيه، تارةً لا يكون في ذلك الكلام معنى صحيح كجمهورِ ما ذَكر عن الحارث المحاسبي وأحمد بن عاصم، وتارة يكون ذلك الكلام غير اللائق بالكتاب، وهذا خلل في صناعة التصنيف، وإنما ينبغي للمصنف أن ينتقي فيتوقّى ولا يكون كحاطب ليل فالنِّطاف العِذاب تروي لا البحر.
والتاسع: أنه ذكر أشياء عن الصوفية لا يجوز فعلها، فربما سمعها المبتدئ القليل العِلم فظنها حسنةً فاحتذاها، مثل ما روي عن أبي حمزة الصوفي أنه وقع في بئر فجاء رجلان فَطمّاها، فلم ينطق حملًا لنفسه على التوكل بزعمه، وسكوت هذا الرجل في مثل هذا المقام إِعانة على نفسه وذلك لا يحل، ولو فهم معنى التوكل لعلم أنه لا ينافي استغاثته في تلك الحال، كما لم يخرج رسول الله ﷺ من التوكل بإِخفائه الخروج من مكة واستئجاره دليلًا واستكتامه، واستكفائه ذلك الأمر واستتار في الغار، وقوله لسُراقة: "أخفِ عنا".
فالتوكل الممدوح لا يُنال بفعل محذور، وسكوت هذا الواقع في البئر محظور عليه، وبيان ذلك أن الله ﷿ قد خلق للآدمي آلة يدافع بها عن نفسه الضرر وآلة يجتلب بها النفع، فإذا عطلها مدعيًا للتوكل كان جهلًا بالتوكل وردًّا لحكمة الواضع لأن التوكل إنما هو اعتماد القلب على الله سبحانه وليس من ضرورته قطع الأسباب، ولو أن إنسانًا جاع فلم يأكل، أو احتاج فلم يسأل، أو عري فلم يلبس، فمات دخل النار، لأنه قد دُلّ على طريق السلامة فإذا تقاعد عنها أعان على نفسه.
وقد أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال: أخبرنا محمد ابن ... قال أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله قال: حدثنا محمد بن العباس بن أيوب، قال: حدثنا عبد الرحمن بن يونس الرّقي قال: حدثنا مُطَرِف بن مازن عن الثوري قال: "من جاع فلم يسأل حتى مات دخل النار".
قلت: ولا التفات إلى أبي حمزة في حكايته "فجاء أسد فأخرجني"، فإنه إن صح ذلك فقد يقع مثله اتفاقًا، وقد يكون لطفًا من الله تعالى بالعبد الجاهل، ولا يُنكر أن يكون الله تعالى لطف به، إنما يُنكر فعلُه الذي هو كسبه، وهو إعانته على نفسه التي هي وديعة الله تعالى عنده وقد أُمر بحفظها.
وكذلك روى عن الشبلي أنه كان إذا لبس ثوبًا خرقه وكان يحرق ... والخبزَ والأطعمةَ
1 / 11
التي ينتفع بها الناسُ بالنار، فلما سئل عن هذا احتج بقوله: ﴿فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ﴾ وهذا في غاية القبح لأن سليمان ﵇ نبي معصوم فلم يفعل إلا ما يجوز له، وقد قيل في التفسير أنه مسح على نواصيها وسُوقها وقال: أنت في سبيل الله، وإن قلنا أنه عَقرها فقد أطعمها الناس، وأكْل لحم الخيل جائز، فأما هذا الفعل الذي حكاه عن الشبلي فلا يجوز في شريعتنا فإن رسول الله. ﷺ نهى عن إضاعة المال وحكى عنه لما مات ولده حلق لحيته وقال: قد جزت أمّه شعرها على مفقود أفلا أحلق أنا لحيتي على موجود؟
إلى غير ذلك من الأشياء السخيفة الممنوعِ منها شرعًا.
والعاشر: أنه خلط في ترتيب القوم فقدّم من ينبغي أن يؤخر وآخر من ينبغي أن يقدّم، فعل ذلك في الصحابة وفيمن بعدهم، فلا هو ذكرهم على ترتيب الفضائل، ولا على ترتيب المواليد، ولا جمع أهل كل بلد في مكان، وربما فعل هذا في وقت ثم عاد فخلط، خصوصًا في أواخر الكتاب فلا يكاد طالب الرجل يهتدي إلى موضعه ومن طالع كتاب هذا الرجل ممن له أُنس بالنقل انكشف له ما أشرت إليه.
وأما الأشياء التي فاتته فأهمها ثلاثة أشياء:
أحدها: أنه لم يذكر سيد الزهاد وأمام الكل وقدوة الخلق وهو نبينا. ﷺ فانه المتَّبَعُ طريقه المقتدي بحاله.
والثاني: أنه ترك ذكر خلق كثير قد نُقل عنهم من التعبد والاجتهاد الكبير، ولا يجوز أن يُحمل ذلك منه على أنه قصد المشتهرين بالذكر دون غيرهم، فإِنه قد ذكر خلقًا لم يُعرفوا بالزهد ولم ينقل عنهم شيء وربما ذكر الرجل فأسند عنه أبيات شعرٍ فحسب، ففعله يدل على أنه أراد الاستقصاء، وتقصيره في ذلك ظاهر.
والثالث: أنه لم يذكر من عوابد النساء إلا عددًا قليلًا، ومعلوم أن ذكر العابدات مع قصور الأنوثية، يوثِب المقصّر من الذكور، فقد كان سفيان الثوري ينتفع برابعة ويتأدب بكلامها.
وقد حداني جِدّك أيها المريد، في طلب أخبار الصالحين وأحوالهم أن أجمع لك كتابًا يغنيك عنه ويحصّل لك المقصود منه، ويزيد عليه بذكر جماعة لم يذكرهم، وأخبار لم ينقلها، وجماعة وُلدوا بعد وفاته، وينقص عنه بترك جماعة قد ذكرهم لم ينقل عنهم كبير شيء وحكاياتٍ قد ذكرها، فبعضها لا ينبغي التشاغل به، وبعضها لا يليق بالكتاب على ما سبق بيانه.
1 / 12
فصل: في بيان وضع كتابنا والكشف عن قاعدته.
وضع كتاب "الصفوة" وطريقته:
لما كان المقصود بوضع مثل هذا الكتاب ذكر أخبار العاملين بالعمل، الزاهدين في الدنيا، الراغبين في الآخرة، المستعدين للنقلة بتحقيق اليقظة والتزود الصالح، ذكرت من هذه حاله دون مَن اشتهر بمجرد العلم ولم يشتهر بالزهد والتعبد.
ولما سَمّيتُ كتابي هذا "صفة الصفوة" رأيت أن افتتحه بذكر نبينا محمد. ﷺ فإِنه صفوة الخلق وقدوة العالم.
فإِن قال قائل: فهلاّ ذكرت الأنبياء قبله فإِنهم صفوة أيضًا؟.
فالجواب: إن كتابنا هذا إنما وُضع لمُداواة القلوب وترقيقها وإصلاحها، وإنما نُقل إلينا أخبار آحاد من الأنبياء ثم لم يُنقل في أخبار أولئك الآحاد ما يناسب كتابنا إلا أن يُذكر عن عبّاد بني إسرائيل ما حملوا على أنفسهم من التشديد، أو عن عيسى ﵇ وأصحابه ما يقتضيه الترهبن، وذلك منقسم إلى ما تبعد صحته، والى ما نهى عنه في شرعنا، وقد ثبت أن نبينا. ﷺ أفضل الأنبياء وان أمته خير الأمم، وأن شريعته حاكمة على جميع الشرائع، فلذلك اقتصرنا على ذكره وذكر أمته.
فصل: في بيان ترتيب كتابنا
أنا أبتدئ بتوفيق الله سبحانه ومعونته فأذكر بابًا في فضل الأولياء الصالحين، ثم أردفه بذكر نبينا محمد. ﷺ وشرح أحواله وآدابه وما يتعلق به، ثم أذكر المشتهرين من أصحابه بالعلم المقترن بالزهد والتعبد، وآتي بهم على طبقاتهم في الفضل ثم أذكر المصطفيات من الصحابيات على ذلك القانون، ثم اذكر التابعين ومَن بعدهم على طبقاتهم في بلدانهم.
وقد طفت الأرض بفكري شرقًا وغربًا، واستخرجت كل من يصلح ذكره في هذا الكتاب من جميع البقاع. ورب بلدة عظيمة لم أَرَ فيها من يصلح لكتابنا. وقد حصرتُ أهل كل بلدة
1 / 13
فيها وترتيبهم على طبقاتهم: أبدأ بمن يُعرف اسمه من الرجال، ثم اذكر بعد ذلك من لم يُعرف اسمه، فإِذا انتهى ذكرت عابدات ذلك البلد على ذلك القانون، وربما كان في أهل البلد من عقلاء المجانين من يصلح ذكره من الرجال والنساء فاذكره.
وإنما ضبطت هذا الترتيب تسهيلًا للطلب على الطالب، ولما لم يكن بدّ من مركز يكون كنقطة للدائرة رأيت أن مركزنا وهو بغداد أولى من غيره، إلا أنه لما لم يمكن تقديمها على المدينة ومكة لشرفهما، بدأت بالمدينة لانها دار الهجرة، ثم ثنّيت بمكة ثم ذكرت الطائف لقربها من مكة ثم اليمن وعدت إلى مركزنا بغداد فذكرت المصطَفين منها ثم انحدرت إلى المدائن ونزلتُ إلى واسط، ثم إلى البصرة، ثم إلى الأُبلّة ثم عَبّادان ثم تستْر ثم شيراز ثم كرَمان ثم أرّجان ثم سجستان ثم دَيْبُل ثم البحرين ثم اليمامة ثم الدِينَورَ ثم همذان ثم قَزوين ثم أصبهان ثم الرّي ثم دامغان ثم بِسطام ثم نَيسابور ثم طُوس ثم هراة ثم مَرو ثم بَلْخ ثم تِرمِذ ثم بخاري ثم فرغانة ثم نخشب.
ثم ذكرت عبّاد المشرق المجهولين البلاد والأسماء، فلما انتهى ذكر أهل المشرق عدنا إلى مركزنا وارتقينا منه إلى المغرب، وقد ذكرنا أهل عُكْبَرا ثم الموصل ثم البرقةِ ثم طبقات أهل الشام ثم المقْدِسيين، ثم أهل جبلة ثم أهل العواصم والثغور، ثم من لم يعرف بلده من عبّاد أهل الشام، ثم عسقلان ثم مصر ثم الإسكندرية ثم المغرب، ثم عبّاد الجبال، ثم عبّاد الجزائر، ثم عبّاد السواحل، ثم أهل البوادي والفلوات، ثم من لم نعرف له مستقرًا من العبّاد وإنما لُقي في طريق: فمنهم من لقي في مكة، ومنهم من لُقي بعرفة، ومنهم من لقي في الطواف، ومنهم من لُقي في غزاة، ومنهم من لقي في طريق سفر أو طريق سياحة.
ثم ذكرت من لم يُعرف له اسم ولا مكان من العباد. ثم ذكرت طرفًا من أخبار بنيات صغار تكلمن بكلام العابدات الكبار ثم ذكرت طرفًا من أخبار عبّاد الجن فختمت بذلك الكتاب والله الموفق.
وإنما أنقل عن القوم محاسن ما نُقل مما يليق بهذا الكتاب ولا أنقل كل ما نقل، إذ لكل شيء صناعة، وصناعة العقل حسن الاختيار، وكما أني لا أذكر ما لا يصلح أن يقتدى به ممن هو في صورة العلماء والزهاد. وقد تجوزت بذكر جماعة من المتصوفة وردت عنهم كلمات منكرة وكلمات حسان، فانتخبت من محاسن أقوالهم لأن
1 / 14
الحكمة ضالة المؤمن، ومع تنقّينا وتوقينا وحذف من لا يصلح وما لا يصلح، فقد زاد عدد من في كتابنا على ألف شخص: يزيد الرجال على ثمإنمائة زيادة بيّنة، وتزيد النساء على مائتين زيادة كثيرة. ولم يبلغ عدد رجال "الحلية" الذين ذكرت أحوالهم في تراجمهم ستمائة، بل قد ذكر جماعة لم يذكر لهم شيئا ولا أظنه ذكر في جميع الكتاب عشرين امرأة.
والى الله سبحانه أرغب في النفع بكلمات المتقين.
واللحوق بدرجات أهل اليقين.
أنه ولي ذلك والقادر عليه.
1 / 15
باب ذكر فضل الأولياء والصالحين
الأولياء والصالحون هم المقصود من الكون، وهم الذين علموا فعملوا بحقيقة العلم.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله. ﷺ "إن الله تعالى قال: من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرّب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها. وإن سألني لأعطينّه، ولئن استعاذني لأعيذنّه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته" ١. رواه البخاري.
وعن أنس بن مالك عن النبي. ﷺ عن جبريل، عن ربه ﷿ قال: "من أهان لي وليًا فقد بارزني بالمحاربة، وما ترددت عن شيء أنا فاعله، ما ترددت قبض نفس مؤمن أكره مساءته ولا بد له منه، وأن من عبادي المؤمنين من يريد بابًا من العبادة فأكفه عنه لئلا يدخله عُجْب فيفسده ذلك، وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتنفل حتى أحبه، ومن أحببته كنت له سمعًا وبصرًا ويدًا ومؤيدًا، دعاني فأجبته، وسألني فأعطيته، ونصح لي فنصحت له. وإن من عبادي المؤمنين من لا يُصلح إيمانه إلا الفقر، وإن بسطت حاله أفسده ذلك وإن عبادي من لا يُصلح إيمانه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين من لا يُصلح إيمانه إلا السقم ولو أصححته لأفسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين من لا يُصلح إيمانه إلا الصحة ولو أسقمته لأفسده ذلك. إني أُدبّر عبادي بعلمي بقلوبهم إني عليم خبير ورواه عبد الكريم الجزري عن أنس مختصرًا وقال فيه: "إني لأسرع شيء إلى نصرة أوليائي، إني لأغضب لهم أشدّ من غضب الليث الحرب" ٢.
وعنه قال: قال رسول الله. ﷺ: "إن من عبادِ الله مَن لو أقسم علي الله لأبرَّه" ٣.
وعن عطاء بن يسار: قال موسى ﵇: يا رب مَن أهلك الذين هم أهلك، الذين تظلّهم في عرشك؟ قال: هم البريئة أيديهم، الطاهرة قلوبهم، الذين يتحابّون بجلالي، الذين
_________
١ صحيح: أخرجه البخاري في ل الرقاق حديث ٦٥٠٢. باب ٣٨. التواضع.
٢ قال ابن رجب: وقد خرج البزار بعض الحديث من طريق ابن عبد الكريم الجزري.
٣ صحيح: أخرجه البخاري في كتاب الصلح حديث ٢٧٠٣. باب ٨. الصلح في الدية ومسلم في كتاب القسامة حديث ١٦٧٥. باب ٥. إثبات القصاص في الأسنان وما في معناها.
1 / 17
إذا ذُكرت ذُكروا وإذا ذُكروا ذُكرت نذكرهم، الذين يسبغون الوضوء في المكاره، ينيبون إلى ذكري كما تنيب النسور إلى وكورها، ويكلفون بحبي كما يكلفَ الصبي بحب الناس ويغضبون لمحارمي إذا استُحِلت كما يغضب النمر إذا حَرِبَ١.
وعن وهب بن منَبّه قال: لما بعث الله موسى وأخاه هارون إلى فرعون قال: لا تعجبنَّكما زينته ولا ما مُتِّعَ به، ولا تمدّا إلى ذلك أعينكما فإنها زهرة الحياة الدنيا وزينة المترفين، ولو شئت أن أزينكما من الدنيا بزينة، ليعلم فرعون حين ينظر إليها أن مقدرته تعجز عن مثل ما أوتيتما، لفعلت، ولكني أرغب بكما عن ذلك وأزويه عنكما، وكذلك أفعل بأوليائي. وقديمًا خِرِتُ لهم فإني لأذودهم عن نعيمها ورخائها كما يذود الراعي الشفيق غنمه عن مراتع الهلكة. وإني لأجنّبهم سلوتها وعيشها كما يجنب الراعي الشفيق إِبله عن مبارك العُرّة وما ذاك لهوانهم علي، ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي سالمًا موفّرًا لم تكلمه الدنيا، ولم يُطغه الهوى.
واعلم أنه لم يتزين العباد بزينة أبلغ فيما عندي من الزهد في الدنيا، فإنها زينة المتقين، عليهم منها لباس يُعرفون به من السكينة والخشوع، سيماهم في وجوههم من أثر السجود، أولئك هم أوليائي حقًا حقًا فإذا لقيتهم فأخفض لهم جناحك وذلل لهم قلبك ولسانك واعلم أنه من أهان لي وليًا أو أخافه فقد بارزني بالمحاربة وباراني، وعرض لي نفسه ودعاني إليها وأنا أسرَع شيء إلى نصرة أوليائي، أفيظن الذي يحاربني أن يقوم لي؟ أو يظن الذي يعاديني أن يعجزني؟ أو يظن الذي يبارزني أن يسبقني أو يفوتني؟ وكيف، وأنا الثائر لهم في الدنيا والآخرة، لا أكل نصرتهم إلى غيري٢.
وعن كعب قال: "لم يزل في الأرض بعد نوح ﵇ أربعة عشر يُدفع بهم العذاب٣"رواه الإمام أحمد.
وعن ابن عيينة قال: "عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة "قال محمد بن يونس: "ما رأيت للقلب أنفع من ذكر الصالحين".
_________
١ ضعيف: أخرجه أحمد في الزهد ص ٩٥. وفيه: هشام بن سعيد قال ابن حجر: صدوق له أوهام.
٢ هذا الخبر من الإسرائيليات.
٣ صحيح: أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء ٧/٣٣٥. رقم ١٠٧٥٠.
1 / 18
١- باب ذكر نبينا محمد ﷺ وذكر نسبه١.
عن عمر بن حفص السَّدوسي قال: هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصّي بن كلاب بن مُرّة بن كعب بن لؤيّ بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار.
وأم رسول الله. ﷺ آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زُهرة بن كلاب بن مُرّة.
قلت: وأما نزار فهو ابن معدّ بن أدّ بن أُدَد بن الهميسع بن حمل بن النبت بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل ﵇.
ذكر طهارة آبائه وشرفهم:
عن واثلة بن الأسقع أن النبي. ﷺ قال: "إن الله ﷿ اصطفى من ولد إبراهيم: إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل: كنانة واصطفى من بني كنانة: قريشًا، واصطفى من قريش: بني هاشم٢، واصطفاني من بني هاشم".
ذكر تزويج عبد الله بن عبد المطلب آمنة بنت وهب٣:
كان عبد المطلب قد خطب آمنة لابنه عبد الله، فزوجها إياه فبقي معها مدة وجرت له قصة قبل حملها برسول الله. ﷺ:
عن أبي فياض الخثعمي، قال: مّر عبد الله بن عبد المطلب بامرأة من خَثعم يقال لها "فاطمة بنت مرّ "، وكانت من أجمل الناس وأشبه وأعفه، وكانت قد قرأت الكتب، وكان شباب قريش يتحدثون إليها فرأت نور النبوة في وجه عبد الله فقالت: يا فتى: من أنت؟ فأخبرها. فقالت: هل لك أن تقع علي وأعطيك مائة من الإبل؟ فنظر إليها وقال:
أما الحَرام فالممات دونه ... والحِلّ لا حلٌ فأستبينه
فكيف بالأمر الذي تنوينه
_________
١ أنظر سير أعلام النبلاء ١/١١. والاستيعاب ١/١٣٣. أسد الغابة ١/٢٣. والبداية والنهاية ٢/٢٣٥. وتهذيب الكمال ١/٤٤. وصحيح السيرة النبوية ص٢٥. والطبقات الكبرى ١/٢٣- ٢٤.
٢ صحيح: أخرجه مسلم في كتاب الفضائل حديث ٢٢٧٦. باب ١. والترمذي في كتاب المناقب حديث ٣٦٠٥. باب في فضائل النبي ﷺ قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح.
٣ أنظر الطبقات الكبرى ١/٤٥، ٤٦. وأسد الغابة ١/٢٣، ٢٤. وسير أعلام النبلاء ١/١٨- ٢٢. والاستيعاب ١/١٣٤.
1 / 19
ثم مضى إلى امرأته آمنة فكان معها.
ثم ذكر الخثعمية وجمالها وما عرضت عليه فأقبل إليها فلم يرَ منها من الإقبال عليه اخرًا كما رآه منها أولًا، فقال: هل لك فيما قلت لي؟ فقالت: "قد كان ذلك مرةً فاليوم لا "، فذهبت مثلًا. وقالت: أيّ شيء صنعت بعدي؟ قال: وقعت على زوجتي آمنةبنت وهب قالت: والله إني لست بصاحبه زينة ولكني رأيت نور النبوة في وجهك فأردت أن يكون ذلك في، فأبى الله إلا أن يجعله حيث جعله.
وبلغ شباب قريش ما عرضت على عبد الله بن عبد المطلب وتأبّيه لها فذكروا ذلك لها فأنشأت تقول:
إني رأيت مَخيلةً عَرضت ... فتلألأتْ بحنَاتِم القَطْر
فلمائها نور يضيء له ... ما حوله كإضاءة الفجر
فرأيته شرفًا أبوء به ... ما كلّ قادحِ زَنده يُوري
لله ما زُهْرية سلبت ... ثوبيك ما سلبت وما تدري
وقالت أيضًا:
بني هاشم ما غادرت من أخيكم ... أمينةُ إذ للباه يعتلجان
كما غادر المصباحُ بعد خبوّه ... فتائلَ قد ميثت له بدهان
وما كلّ ما يحوي الفتى من تلاده ... لحزمٍ ولا ما فاته لِتَواني
فأجمل إذا طالبت أمرًا فانه ... سيكفيكه جَدّان يصطرعان
سيكفيكه إما يد مقفعلّة ... وإما يد مبسوطة ببنان
ولما قضت منه أمينة ما قضت ... نبا بصري عنه وكَلَّ لساني١
وقد روى أبو صالح عن ابن عباس أن هذه المرأة من بني أسد بن عبد العزىّ وهي أخت ورقة بن نوفل وكذلك قال ابن إسحاق وقال: هي أم قتال. وقال عروة في اخرين: هي قتيلة بنت نوفل، أخت ورقة٢.
_________
١ ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد في الطبقات ١/٤٤. فيه هشام بن محمد بن السائب قال الدارقطني: متروك وقال ابن عساكر: رافضي ليس بثقة لسان الميزان ٦/٢٣٧. رقم ٨٩٣٧.
٢ أنظر: الكامل في التاريخ ٢/٨. والطبقات الكبرى ١/٤٤. والبداية والنهاية ٢/٢٤٥.
1 / 20
وروى جرير بن حازم عن أبي يزيد المدائني: أن عبد الله لما مر على الخثعمية رأت بين عينيه نورًا ساطعًا إلى السماء، فقالت: هل لك فيَّ؟ قال: نعم، حتى أرمي الجمرة. فانطلق فرمى الجمرة، ثم أتى امرأته آمنة. ثم ذكر الخثعمية فأتاها فقالت: هل أتيت امرأة بعدي؟ قال: نعم، آمنة. قالت: فلا حاجة لي فيك، إنك مررت وبين عينيك نور ساطع إلى السماء، فلما وقعت عليها ذهب فأخبرها انها حملت بجيد أهل الأرض١.
ذكر حمل آمنة برسول الله ﷺ:
روى يزيد بن عبد الله بن وهب بن زمعة عن عمته قالت: كنا نسمع أن آمنة لما حملت برسول الله. ﷺ كانت تقول: ما شعرت أني حملت ولا وجدت له ثقلًا كما تجد النساء إلا أني أنكرت رفع حيضي وأتاني آتٍ وأنا بين النوم واليقظة فقال: هل شعرت أنك حملت؟ فكأني أقول: ما أدري. فقال: إنك قد حملت بسيد هذه الامة ونبيها، وذلك يوم الاثنين. قالت: فكان ذلك مما يقّن عندي الحمل. فلما دنت ولادتي أتاني ذلك فقال: قولي أعيذه بالواحد الصمد من شر كل حاسد.
ذكر وفاة عبد الله:
قال محمد بن كعب: خرج عبد الله بن عبد المطلب في تجارة إلى الشام مع جماعة من قريش، فلما رجعوا مروا بالمدينة وعبد الله مريض فقال: أتخلف عند أخوالي بني عدي بن النجار. فقام عندهم شهرًا ومضى أصحابه فقدموا مكة، فأخبروا عبد المطلب فبعث إليه ولده الحارث فوجده قد توفي ودُفن في دار النابغة وهو رجل من بني عدي، فرجع إلى أبيه فأخبروه فوجد عليه وجدًا شديدًا ورسول الله ﷺ يومئذ حمْل. ولعبد الله يوم توفي خمس وعشرون سنة٢.
وقد روي عن عوانة بن الحكم أن عبد الله توفي بعد ما أتى على رسول الله ﷺ ثمانية وعشرون شهرًا، وقيل سبعة أشهر. والقول الأول أصح وأن رسول الله ﷺ كان حملًا يومئذ. وترك عبد الله أم أيمن وخمسة أجمال وقطعة غنم فورث رسول الله ﷺ ذلك وكانت أم أيمن تحتضنه.
_________
١ أنظر المراجع السابقة.
٢ أنظر الطبقات الكبرى ١/٤٦. وتهذيب الكمال ١/٥٢. وأسد الغابة ١/٢٣. والاستيعاب ١/١٣٩.
1 / 21
ذكر مولد رسول الله ﷺ:
اتفقوا على أن رسول الله ﷺ ولد يوم الإثنين في شهر ربيع الأول عام الفيل واختلفوا فيما مضى من ذلك الشهر لولادته على أربعة أقوال أحدها: أنه ولد ليلتين خلتا منه، والثاني: لثمان خلون منه، والثالث: لعشر خلون منه، والرابع: لاثنتي عشرة خلت منه.
وروى محمد بن سعد عن جماعة من أهل العلم أن آمنة قالت: لقد علقت به فما وجدت له مشقة، وأنه لما فصل عنها خرج له نور أضاء له ما بين المشرق والمغرب ووقع إلى الأرض معتمدًا على يديه.
وقال عكرمة: لما ولدته وضعته برمة فانقلعت عنه، قالت: فنظرت إليه فإذا هو قد شق بصره ينظر إلى السماء١.
وقال العباس بن عبد المطلب: ولد رسول الله ﷺ مختونًا مسرورًا، فأعجب ذلك عبد المطلب وحظي عنده وقال: ليكونّن لابني هذا شأن من شأن، فكان له شأن.
وروى يزيد بن عبد الله بن وهب عن عمته: أن آمنة لما وضعت رسول الله. ﷺ أرسلت إلى عبد المطلب، فجاءه البشر وهو جالس في الحجْر، فأخبرته بكل ما رأت وما قيل لها وما أُمرت به فأخذه عبد المطلب فأدخله الكعبة وقام عندها يدعو الله ويشكر ما أعطاه وروي أنه قال يومئذ:
الحمد لله الذي أعطاني ... هذا الغلام الطيب الأردان
قد ساد في المهد على الغلمان ... أعيذه بالله ذي الأركان
حتى أراه بالغ البنيان ... أعيذه من شر ذي شنآن
من حاسد مضطرب العيان٢
وفي حديث العباس بن عبد المطلب أنه قال: يا رسول الله إني أريد أن أمتدحك. قال: "قل لا يفضض الله فاك" ٣: فأنشأ يقول:
من قبلها طِبْتَ في الظّلال وفي ... مستودعٍ حيث يُخصف الورق
_________
١ ضعيف: أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى ١/٤٧. من عدة طرق وكلها لا تخلو من ضعف
٢ ضعيف: أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى ١/٤٨.
٣ صحيح: أخرجه الحاكم في المستدرك ٣/٣٦٩. رقم ٥٤١٧. وقال هذا حديث تفرد به رواته الأعراب عن آبائهم وأمثالهم من الرواة لا يضعون وأبو نعيم في الحلية ١/٤٤٦. رقم ١٢٦٨.
1 / 22
ثم هبطتَ البلادَ لا بشر ... أنت ولا مضغة ولا علق
بل نطفة تركب السفين وقد ... ألجم نسرًا وأهله الغرق
تنقَل من صالب إلى رحم ... إذا مضى عالم بدا طبق
حتى إذا احتوى بيتك المهيمن من ... خندق علياءَ تحتها النطق
وأنت لمّا ولدت أشرقتِ ... الأرض وضاءت بنورك الأفق
فنحن من ذلك الضياء، وفي ... النور، وسُبْلِ الرشاد نخترق
ذكر أسماء رسول الله ﷺ:
عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: قال رسول الله. ﷺ "لي خمسة أسماء، أنا محمد وأحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب١" رواه البخاري مسلم.
وفي أفراد مسلم من حديث أبي موسى قال: سمّى لنا رسول الله. ﷺ نفسه فقال: " انا محمد وأحمد والمقفّي والماحي والحاشر ونبي التوبة والمَلْحَمة" ٢ وفي لفظ نبي الرحمة.
وقد ذكر أبو الحسين بن فارس اللغوي٣ أن لنبينا ﷺ ثلاثة عشر اسمًا، محمد وأحمد والماحي والحاشر والعاقب والمقفي ونبي الرحمة ونبي التوبة والملحمة والشاهد والمبشر والنذير والسراج المنير والضحوك والقتّال والمتوكل والفاتح والأمين والخاتم والمصطفى والنبي والرسول، والأمي، والقُثَم.
والماحي: الذي يُمحى به الكفر، والحاشر: الذي يحشر الناس على قدميه أي يقدمهم وهم خلفه، والعاقب: آخر الأنبياء، والمقفي: بمعنى العاقب لأنه تبع الأنبياء، وكل شيء تبع شيئًا فقد قفّاه. والملاحم: الحروب والضحوك: صفته في التوراة. قال ابن فارس: وإنما قيل له الضحوك لأنه كان طيب النفس فكهًا، وقال: إني لأمزح.
_________
١ صحيح: أخرجه البخاري في كتاب المناقب حديث ٣٥٣٢. باب ١٧. ما جاء في أسماء رسول الله ﷺ في كتاب الفضائل حديث ٢٣٥٤، ٢٣٥٥. باب ٣٢. في أسمائه ﷺ.
٢ صحيح: أخرجه مسلم في كتاب الفضائل حديث ٢٣٥٥. باب ٣٤. في أسمائه ﷺ.
٣ هو: أبو الحسين بن فارس بن زكريا كان رأسا في الأدب بصيرا بفقه مالك ومذهبه في النحو على طريقة الكوفيين توفي سنة ٣٩٥هـ.
1 / 23
والقُثَم من معنيين: أحدهما من القَثْم وهو الإعطاء، يقال قَثَم له من العطاء يقثم إذا أعطاه. وكان ﵇ أجود بالخير من الريح الهبابة والثاني: من القَثْم هو الجمع يقال للرجل الجَموع للخير قَثوم وقُثَم والله أعلم.
ذكر من أرضعه:
قالت برّة بنت أبي تجرأة١: أول من أرضع رسول الله. ﷺ ثُويبة بلبن ابنٍ لها، يقال له مسروح، أيامًا قبل أن تُقِدم حليمة. وكانت قد أرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب، وأرضعت بعده سلمة بن عبد الأسد، ثم أرضعته حليمة بنت عبد الله السعدية٢.
وعن حليمة ابنة الحارث، أم رسول الله ﷺ التي أرضعته، السعدية قالت: خرجت في نسوةٍ من بني سعد بن بكر بن هوازن نلتمس الرضعاء بمكة فخرجت على أتانٍ لي قَمْراء قد أدَمَّتْ بالرَّكْب قالت: وخرجنا في سنة شهباء لم تبق لنا شيئًا أنا وزوجي الحارث بن عبد العزّى، وقالت: ومعنا شارف لنا والله إنْ تبض علينا بقطرة من لبن، ومعي صبي لنا والله ما ننام ليلنا من بكائه ما في ثديي لبنٍ يغنيه ولا في شارِفنا من لبنٍ يغذّيه، إلا أنّا نرجو الخصب والفرج. فلما قدمنا مكة لم تبق منا امرأة إلا عرض عليها رسول الله. ﷺ فتأباه، وإنما كنا نرجو الكرامة في رضاعةِ من نُرضع له، من والد المولود، وكان يتيمًا ﷺ فقلنا ما عسى أن تفعل بنا أمه؟ فكنا نأبى حتى لم تبق من صواحباتي امرأة إلا أخذت رضيعًا، غيري. قالت: فكرهت أن أرجع ولم آخذ شيئًا وقد أخذ صواحباتي. فقلت لزوجي الحارث: والله لأرجعن إلى ذلك اليتيم فلآخذنّه.
قالت: فأتيته فأخذته ثم رجعت به إلى رحلي. قالت: فقال لي زوجي: قد أخذتِه؟ قلت نعم، وذلك أني لم أجد غيره. قال: قد أصبت عسى أن يجعل الله فيه خيرًا.
قالت: والله ما هو إلا أن وضعته في حجري فأقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن فشرب حتى روي، وشرب أخوه حتى روي، وقام زوجي الحارث إلى شارِفنا من الليل فإِذا هي تحلب علينا ما شئنا، فشرب حتى روي، وشربت حتى رويت. قالت فبتنا بخير ليلة شِباعًا
_________
١ هي: برة بنت أبي تجرأة العبدرية مكية ذكر ابن الزبير أن بني تجرأة قوم من كندة قدموا مكة أنظر الاستيعاب لابن عبد البر ٤/٣٥٥. رقم ٣٢٨٥.
٢ صحيح: أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى ١/٥٠. وأصل حديث ثويبة عند البخاري ٥١٠١. ومسلم ١٤٤٩.
1 / 24
رِواءً. قالت: فقال زوجي: والله يا حليمةُ ما أراك إلا قد أصبت نسمةً مباركةً، قد نام صبيانًا وقد رِوينا ورَوِيا.
قالت: ثم خرجنا. قالت: فو الله لخرجت أتاني أمام الركب قد قطعتهم حتى ما يتعلق بها منهم أحد، حتى إنهم ليقولون: ويحكِ يا بنت الحارث، كفّي علينا، أليست هذه أتانك التي خرجت عليها؟ فأقول بلى والله. فيقولون: إن لها لشأنًا. حتى قدمنا منازلنا من حاضر منازل بني سعد بن بكر. قالت: فقدمنا على أجدب أرض الله.
قالت: فوالذي نفس حليمة بيده إن كانوا ليسرحون أغنامهم إذا أصبحوا، وأسرح راعي غنمي وتروح غنمي حفلًا بطانًا وتروح أغنامهم جياعًا هالكة مالها من لبن، فنشرب ما شئنا من اللبن وما من الحاضر من أحد يحلب قطرة ولا يجدها. قالت: فيقولون لرعاتهم: ويلكم ألا تسرحون حيث يسرح راعي غنم حليمة؟ فيسرحون في الشِّعْب الذي تسرح فيه غنمي وتروح أغنامهم جياعًا مالها من لبن وتروح غنمي حفلًا لبنًا.
قالت: وكان يشب في اليوم شباب الصبي في شهر، ويشب في الشهر شباب الصبي في سنة. قالت، فبلغ سنين وهو غلام جفر. قالت: فقدمنا به على أمه فقلت لها أو قال لها زوجي: دعي ابني فلنرجع به فإِنا نخشى عليه وباء مكة قالت: ونحن أضنّ شيء به لِما رأينا من بركته ﷺ فلم نزل به حتى قالت: ارجعا به. قالت: فمكث عندنا شهرين.
قالت: فبينما هو يلعب يومًا من الأيام هو وأخوه خلف البيت إذا جاء أخوه يشتد فقال لي ولأبيه: أدركا أخي القرشي فقد جاءه رجلان فأضجعاه فشقّا بطنه قالت فخرجت وخرج أبوه يشتد نحوه فانتهينا إليه وهو قائم منتقع لونه فاعتنقتُه واعتنقه أبوه وقال: مالك يا بني؟ قال: أتاني رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاني فشقّا بطني، والله ما أدري ما صنعا.
قالت: فاحتملناه فرجعنا به. قالت يقول زوجي: والله يا حليمة ما أرى الصبي إلا قد أصيب. فانطلقي فلنرده إلى أمه قبل أن يظهر به ما نتخوف عليه. قالت فرجعنا به إلى أمه، فقالت ما ردّكما به فقد كنتما حريصين عليه؟ فقلنا: لا والله إلا أنا كفلناه وادينا الذي علينا من الحق فيه، ثم تخوفنا عليه الأحداث فقلنا: يكون عند أمه قالت: فوالله ما زالت عند أمه فقالت: والله ما ذاك بكما فأخبراني خبركما وخبره. قالت: فوالله مازالت بنا حتى أخبرناها خبره. قالت أتخوفتما عليه؟ لا والله إن لإبني هذا شانا ألا أخبركما عنه: إني حملت به فلم احمل حملا قط هو أخف
1 / 25
منه ولا اعظم بركة منه، لقد وضعته فلم يقع كما يقع الصبيان، لقد وقع واضعًا يده في الأرض رافعا رأسه إلى السماء. دعاه والْحقا بشأنكما١.
قال الشيخ: وظاهر هذا الحديث يدل أن آمنة حملت غير رسول الله. (؛ وقد قال الوقدي: لا يعُرف عند أهل العلم أن آمنة وعبد الله وَلَدا غير رسول الله.
فأما حليمة: فهي بنت أبي ذؤيب واسمه عبد الله بن الحارث بن شحنة بن جابر السعدية، قدمت على رسول الله ﷺ وقد تزوج خديجة، فشكت إليه جَدب البلاد فكلّم خديجة فأعطتها أربعين شاة وأعطتها بعيرًا، ثم قدمت عليه بعد النبوة فأسلمت وبايعت وأسلم زوجها الحارث بن عبد العزّى.
قال محمد بن المنكدر: استأذنتِ امرأة على النبي ﷺ وقد كانت أرضعته، فلما دخلت قال أمي أمي، وعمد الى ردائه فبسطه لها فجلست عليه.
قأما ثُويبة فهي مولاة أبي لهب ولا نعلم أحدًا ذكر أنها أسلمت غير ما حكى أبو نعيم الأصفهاني أن بعض العلماء قال: قد اختلف في إسلامها.
وروى الواقدي عن جماعة من أهل العلم أن رسول الله ﷺ كان يكرمْ ثويبة ويصلها وهي بمكة، فلما هاجر كان يبعث إليها بكسوةٍ وصلة، فجاءه خبرها سنة سبع مرجعَه من خيبر أنها توفيت.
عن عروة قال: كانت ثويبة لأبي لهب وأعتقها فأرضعت النبي ﷺ فلما مات أبو لهب رآه بعض أهله في النوم، قال ماذا لقيت يا أبا لهب؟ فقال ما رأيت بعدكم روحًا غير أني سقيت في هذه مني بعتقي ثويبة. قال وأشار إلى بين الإبهام والسبابة.
قال الشيخ: وقد جاء حديث شرح صدره ﷺ في الصحيح.
وعن أنس بن مالك أن رسول الله. ﷺ أتاه جبريل ﷺ وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه، فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة فقال: هذا حظ الشيطان منك ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه ثم أعاده في مكانه. قال:
_________
١ حسن: أخرجه الطبراني في الكبير ٢٤/٢١٢. رقم ٥٤٥. وابن سعد في الطبقات الكبرى ١/٥٢. وأبو نعيم في دلائل النبوة ٩٤. وانظر موارد الظمآن ٦/٤٣٧. رقم ٢٠٩٤. والمطالب العالية ٩/٤٠٧. رقم ٤٦٧١.
1 / 26
وجاء الغلمان يسعون إلى أمه، يعني ظئره، فقالوا ان محمدا قد قتل. فاستقبلوه وهو منتقع اللون. قال أنس: وقد كنت أرى أثر المخيط في صدره. صلى الله عليه وسلم١.
انفرد بإخراجه مسلم. وقد ذكرنا أن حليمة أعادته إلى أمه بعد سنتين وشهرين وقال ابن قتيبة: لبث فيهم خمس سنين.
ذكر وفاة أمه آمنة:
لما ردته حليمة أقام رسول الله. ﷺ عند أمه آمنة إلى أن بلغ ست سنين ثم خرجت به إلى المدينة إلى أخواله بني عدي بن النجار تزورهم به ومعها أم ايمن تحضنه. فأقامت عندهم شهرا ثم رجعت به إلى مكة فتوفيت بالأبواء فقبرها هنالك فلما مر رسول الله ﷺ بالابواء في عمرة الحديبية زار قبرها وبكى٢.
واخرج مسلم في أفراده من حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال: استأذنت ربي أن استغفر لأمي فلم يأذن لي واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي٣.
ذكر ما كان من أمره ﷺ بعد وفاة أمه آمنة:
روى محمد بن سعد عن جماعة من أهل العلم، منهم مجاهد والزهري، أن آمنة لما توفيت قبض رسول الله ﷺ جده عبد المطلب وضمه إليه ورق عليه رقة لم يرقها على ولده وقربه وأدناه، وان قوما من بني مدلج قالوا لعبد المطلب: احتفظ به فإنا لم نر قدما أشبه بالقدم التي في المقام منه. فقال عبد المطلب لأبي طالب: اسمع ما يقول هؤلاء، فكان أبو طالب يحتفظ به فلما حضرت عبد المطلب الوفاة أوصى أبا طالب بحفظه. ومات عبد المطلب فدفن بالحجون وهو ابن اثنتين وثمانين سنة، وقيل ابن مائة وعشر سنين، ويقال وعشرين سنة٤.
وسئل رسول الله ﷺ أتذكر موت عبد المطلب قال: " نعم وأنا يومئذ ابن ثمان سنين".
_________
١ صحيح: أخرجه مسلم في كتاب الإيمان حديث ١٦٢. باب ٧٤- ٧٦. باب الإسراء برسول الله ﷺ إلى السموات وفرض الصلوات.
٢ أنظر الطبقات الكبرى لابن سعد ١/٥٥.
٣ صحيح: أخرجه مسلم في كتاب الجنائز حديث ٩٧٦. باب ١١- ٣٧. نهى النساء عن اتباع الجنائز وغسل الميت وأبو داود في كتاب الجنائز حديث ٣٢٣٤. باب في زيارة القبور.
٤ أنظر: الطبقات الكبرى لابن سعد ١/٥٥، ٥٦. والمنتظم في تواريخ الملوك والأمم ٢/٥٠٦.
1 / 27
قالت أم أيمن: رأيت رسول الله. ﷺ يومئذ يبكي عند قبر عبد المطلب١ وذكر بعض العلماء أنه كان لرسول الله. ﷺ يوم موت عبد المطلب ثماني سنين وشهران وعشرة أيام.
ذكر كفالة أبي طالب للنبي ﷺ:
ذكر جماعة من أهل العلم أنه لما توفي عبد المطلب قبض رسول الله. ﷺ أبو طالب، وكان يحبه حبا شديدا ويقدمه على أولاده فلما بلغ رسول الله ﷺ اثنتي عشرة سنة وشهرين وعشرة أيام ارتحل به أبو طالب تاجرا نحو الشام فنزل "تيماء "فرآه حبر من اليهود يقال له "بحيرا "الراهب٢ فقال: من هذا الغلام معك؟ فقال: هو ابن آخي فقال: أشفيقٌ عليه انت؟ قال: نعم. قال: فوالله لئن قدمت به الشام ليقتلنه اليهود، فرجع به إلى مكة.
حديث بحيرا الراهب:
عن داود بن الحصين٣، قال: لما خرج أبو طالب إلى الشام وبها راهب يقال له، "بحيرا "في صومعة له، وكان علماء النصارى يكونون في تلك الصومعة يتوارثونها عن كتاب يدرسونه، فلما نزلوا ببحيرا وكانوا كثيرا ما يمرون به لا يكلمهم حتى إذا كان ذلك العام ونزلوا منزلا قريبا من صومعته قد كانوا ينزلونه قبل ذلك كلما مروا، فصنع لهم طعاما ثم دعاهم وإنما حمله على دعائهم أنه رآهم حين طلعوا وغمامةٌ تظلّ رسول الله. ﷺ من بين القوم حتى نزلوا تحت الشجرة، ثم نظر إلى تلك الغمامة أظلت تلك الشجرة وأخضلت أغصان الشجرة على النبي ﷺ حين استظل تحتها، فلما رأى بحيرا ذلك نزل من صومعته وأمر بذلك الطعام فأتي به. وأرسل إليهم فقال: إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش وأنا أحب أن تحضرونه كلكم ولا تخلفوا منكم صغيرا ولا كبيرا، حرا ولا عبدا، فإن هذا شيء تكرمونني به. فقال رجل: إنّ لك لشأنًا يا بحيرا. ما كنت تصنع بنا هذا فما شأنك اليوم؟ قال: فإني أحببت أن أكرمكم فلكم حق.
فاجتمعوا إليه وتخلف رسول الله. ﷺ من بين القوم لحداثة سنه ليس في القوم أصغر منه في رحالهم تحت الشجرة، فلما نظر بحيرا إلى القوم فلم ير الصفة التي يعرف ويجدها
_________
١ ذكر أن أم أيمن قالت: رأيت رسول الله ﷺ يومئذ يبكي خلف سرير عبد المطلب وليس كما ذكر هنا أنه بكى عند القبر أنظر الطبقات الكبرى ١/٥٦. والمنتظم في تواريخ الملوك والأمم ٢/٥٠٧.
٢ سيأتي إن شاء الله.
٣ هو داود بن الحصين الفقيه ثقة إلا في عكرمة فإن روايته عنه منكرة.
1 / 28
عنده، وجعل ينظر فلا يرى الغمامة على أحد من القوم، ورآها متخلفة على رأس رسول الله ﷺ، فقال بحيرا: يا معشر قريش لا يتخلفنَّ أحد منكم عن طعامي. قالوا: ما تخلف أحد إلا غلام هو اصغر القوم سنًا في رحالهم.
فقال: أدعوه فليحضر طعامي فما أقبح أن يتخلف رجل واحد مع أني أراه من أنفسكم. فقال القوم: هو والله أوسطنا نسبا وهو أبن أخي هذا الرجل، يعنون أبا طالب، وهو من ولد عبد المطلب، فقال الحارث بن عبد المطلب: والله إن كان بنا للؤمٌ أن يتخلف ابن عبد المطلب من بيننا. ثم قام إليه فاحتضنه وأقبل به حتى أجلسه على الطعام، والغمامة تسير على رأسه، وجعل بحيرا يلحظ لحظا شديدًا، وينظر إلى أشياء في جسده قد كان يجدها عنده من صفته، فلما تفرقوا عن طعامهم قام إليه الراهب فقال: يا غلام أسألك بحق اللات والعزّى إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه، فقال رسول الله. ﷺ: "لا تسألني باللات والعزى، فوالله ما أبغضت شيئًا بغضهما". قال فبالله إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه، قال: سلني عما بدا لك.
فجعل يسأله عن أشياء من حاله حتى نومه، فجعل رسول الله ﷺ يخبره فيوافق ذلك ما عنده، ثم جعل ينظر بين عينيه، ثم كشف عن ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على الصفة التي عنده، فقبّل موضع الخاتم وقالت قريش: إن لمحمدٍ عند هذا الراهب لقدرًا، وجعل أبو طالب لما يرى من الراهب يخاف على ابن أخيه، فقال الراهب لأبي طالب: ما هذا الغلام منك؟ قال أبو طالب: ابني. قال: ما هو بابنك وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيًا. قال: فابن أخي. قال فما فعل أبوه؟ قال: هلك وأمه حبلى به، قال: فما فعلت أمه؟ قال: توفيت قريبًا. قال: صدقت ارجع بابن أخيك إلى بلده وأحذر عليه اليهود، فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما أعرف ليبغنه بغيًا، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم نجده في كتبنا وما روينا عن آبائنا واعلم أني قد أديت إليك النصيحة.
فلما فرغوا من تجارتهم خرج به سريعًا، وكان رجال من يهود قد رأوا رسول الله. ﷺ وعرفوا صفته فأرادوا أن يغتالوه فذهبوا إلى بحيرا فذاكروه أمره فنهاهم أشد النهي وقال لهم: أتجدون صفته؟ قالوا: نعم. قال: فما لكم إليه سبيل. فصدقوه وتركوه.
ورجع به أبو طالب فما خرج به سفرًا بعد ذلك خوفًا عليه١،
_________
١ حسن: أخرجه الترمذي في كتاب المناقب حديث ٣٦٢٠. باب ٣. ما جاء في بدء نبوة النبي ﷺ وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. قلت: هو بذلك قد حسن هذا الحديث. والحاكم ٢/٦٧٢. رقم ٤٢٢٩. وقال: هذا حديث على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
1 / 29