Siddiqa Bint Siddiq
الصديقة بنت الصديق
Genres
وكانت خديجة تصاحبه قبل الدعوة، وهو يطلب الأنصار في طوية النفس قبل أن يطلبهم في عالم النضال والبلاء.
ثم كانت عائشة تصاحبه بعد الدعوة، وهو صاحب دين جهر وبهر، فكانت هي أول سفرائه بالإصهار إلى رجالات العرب ورؤساء العشائر والبيوت.
كان تقابلا بين الزوجين الفضليين من أعجب ما تأتي به المصادفة، بل من أعجب ما يأتي به التدبير، وليس هناك تدبير معروف.
فالذي نعلمه من خطبة النبي - عليه السلام - للسيدة عائشة أنها كانت من المصادفات التي لم يتحدث بها قط قبل أن تقترح عليه.
نعم إنه - عليه السلام - قال لعائشة يوما: «أريتك في المنام مرتين أرى أنك في سرقة من حرير ويقال: هذه امرأتك! فاكشف عنها، فإنما هي أنت. فأقول: إن يك هذا من عند الله يمضه.»
ولكن الحديث يدلنا على مبلغ ما كان في ضمير النبي - عليه السلام - من هذه النية، وقد يفهم منه أنه كان - عليه السلام - يناجي نفسه الشريفة بأمنيته في الزواج، فطابقت السيدة عائشة مثال هذه الأمنية، وكان هذا من بواعث حبه إياها لمطابقة الرؤية ما تمثله في الرؤيا.
فأما الخطبة، فالذي نعلمه من الروايات المتواترة أنها جاءت بعد اقتراح من سيدة بارة آلمها ما لحظته من حزن النبي على زوجه العزيزة عليه. فقالت له: أي رسول الله! ألا تتزوج؟ فسألها: من؟ قالت: إن شئت بكرا وإن شئت ثيبا. ثم سألها عن البكر فذكرت عائشة «بنت أحب خلق الله إليك» ... وسألها عن الثيب فذكرت سودة بنت زمعة. فأوفدها إلى بيت أبي بكر، وجرت الخطبة بعد ذلك في مجراها الذي انتهى بالزواج بعد سنوات.
هذه السيدة هي خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون من أجلاء الصحابة الذين حرموا الخمر في الجاهلية، وعاش بعد الإسلام عيشة النسك والحكمة. وبقية حديث الخطبة أنها ذهبت إلى أم رومان - أم عائشة - فبادأتها بالحديث قائلة: ما أدخل الله عليكم من الخير والبركة! قالت: وما ذاك؟ قالت: أرسلني رسول الله أخطب عليه عائشة. فاستمهلتها حتى ترى أبا بكر، وقيل إن أبا بكر سأل حين بلغه الأمر: وهل تصلح له وهي بنت أخيه - يظن أن المؤاخاة بينه وبين النبي قد بلغت مبلغ القرابة التي تمنع المصاهرة - فكان جواب النبي لها: «قولي له: أنت أخي في الإسلام وابنتك تحل لي» كما جاء في هذه الرواية.
وإلى هذا الحين لم يكن في تقدير أحد أن صلة من أوثق الصلات ستنعقد بين النبي وصفيه الحميم؛ لأن عائشة كانت مخطوبة قبل ذلك لجبير بن مطعم بن عدي من أصحاب أبيها في الجاهلية، فتحرج أبو بكر من نقض خطبته قبل مراجعته فيما ينويه، وقال لأم رومان زوجته: والله ما أخلف أبو بكر وعدا قط. ثم لقي أبا الفتى وأمه يسألهما فيما ينتويانه، فأقبل الأب على امرأته يسألها: ما تقولين؟ فالتفتت الأم إلى أبي بكر وهي تقول متعللة: لعلنا إن أنكحنا هذا الصبي إليك تصبئه وتدخله في دينك الذي أنت عليه؟ فلم يجبها، وسأل زوجها: ما تقول أنت؟ فلم يزده على أن أجاب: إنها تقول ما تسمع.
فعلم أبو بكر يومئذ أنه في حل من نقض وعده لمطعم بن عدي، واستقبل النبي خاطبا، فتمت الخطبة في شوال سنة عشر من الدعوة قبل الهجرة بثلاث سنوات، وأصدقها النبي - عليه السلام - أربعمائة درهم على أشهر الروايات.
Unknown page