Siddiqa Bint Siddiq
الصديقة بنت الصديق
Genres
هذه هي الأنثى الخالدة في غيرتها، وهذه هي الأنثى الخالدة في دلالها، وهذه هي الأنثى الخالدة في كل ما عرفت به الأنثى من حب الزينة وحب التدليل والتصغير وحب التطلع وحب المكايدة والمناوشة، ومكاتمة الشعور والتعريض بالقول، وهي قادرة على التصريح.
وكل لون من ألوان الغيرة التي تتراءى في طبيعة المرأة فهو باد في خبر من أخبار السيدة عائشة كأوضح ما يبدو، وأصدق ما يكون في طبائع النساء.
والغيرة في طبائع النساء ألوان:
تغار المرأة على قلب الرجل الذي تحبه ولو شغلته الذكرى ولم تشغله المودة الحاضرة؛ لأنها تعلم من هذا أنها لم تشغل قلبه كله، وهي تأسى على كل ما يفوتها من شواغل ذلك القلب، ولو لم تكن ثمة منافسة محذورة.
وتغار المرأة من المرأة الجميلة، وإن لم تنافسها على رجل تحبه، وتغار من شريكتها في رجلها كائنا ما كان حظها من الجمال، وتغار من كل مزية غير الجمال ما كان فيها سبيل إلى الحظوة في القلب الذي تريده لها، ولا تطيق المزاحمة عليه.
و«الأنثى الغيرى» في جميع هذه الألوان من الغيرة النسائية ماثلة هنالك في سيرة عائشة، كما روتها هي وكما رواها غيرها، ما من فارق بينها وبين سائر النساء إلا الأدب الذي ينبغي لها، والحق النبوي الذي هي جاهدة جهدها أن توفره وترعاه.
كانت السيدة خديجة متوفاة منذ سنوات يوم بنى النبي بالسيدة عائشة، لكن السيدة عائشة كانت تغار منها غيرة لم تنطو على مثلها لشريكاتها اللواتي يعشن معها؛ لأنها شغلت قلب النبي بعد وفاتها، فلم يزل يذكرها، ويحب لحبها من كان يزورها أو يراها.
وكان - عليه السلام - يبر بعض العجائز، فسألته السيدة عائشة في ذلك فقال: إن خديجة أوصتني بها ... فقالت مغضبة: خديجة، خديجة ... لكأنما ليس في الأرض امرأة إلا خديجة!
وعلى حلم رسول الله ربما غضب أحيانا من ثورتها على ذكرى خديجة. فغضب في هذه المرة وتركها فترة، ثم عاد وأمها - أم رومان - عندها فقالت له أمها: يا رسول الله! ما لك ولعائشة؟ إنها حديثة السن وأنت أحق من يتجاوز عنها؛ فلم يدعها حتى أخذ بشدقها معاتبا وهو يقول لها: ألست القائلة: كأنما ليس على وجه الأرض امرأة إلا خديجة؟!
وسألته مرة: ما تذكر من عجوز حمراء الشدقين قد بدلك الله خيرا منها؟ فأسكتها قائلا: «والله ما أبدلني الله خيرا منها، آمنت بي حين كذبني الناس، وواستني بمالها حين حرمني الناس، ورزقت منها الولد وحرمته من غيرها.»
Unknown page