شيمان :
إذن أعيدي علي، ولك الشكر، ما استدللت منه على أنه يستصوب اختياري، ثم زيديني علما بما أنوط به أملي، فليس هذا الحديث العذب مما يمج تكراره، وما من بشرى أحب إلي وإلى من أحب، من بشرى انطلاق اللواعج
2
الكمينة فينا يوما، وشبوبها في الرائعة،
3
وبم أجابك عن المنافسة اللطيفة التي يتنافسها لديك دن سنش ودن لذريق؟ أولم تظهري له، بما ينفي كل ريب، ما بينهما من تفاوت يجنح بي إلى أحدهما؟
الفيرة :
لا، بل وصفتك له وصف الواقفة منهما موقفا لا يشيد أملا ولا يهدم أملا، والناظرة إليهما نظرات لا مجافية ولا مواتية، ترقب أمر أبيها في اصطفاء قرين لها. ولقد سرته منك هذه الرعاية لشأنه سرورا تجلت آياته وشيكا على فمه ومحياه. وما دمت مشوقة إلى سماع ما أردده من هذا الحديث فدونك ما قاله لي عاجلا عنك وعنهما: «هي في حد الواجب، وكلاهما كفء لها، كلاهما من عنصر كريم فيه الشجاعة والوفاء وكلاهما مقتبل الشباب، تتلألأ في عينيه زواهر الفضائل التي تحلى بها أجداده الأمثلون، أخص بالذكر دن لذريق، فما من مخيلة في وجهه إلا وهي أجمل صورة لمروءته، تحدر من أصل كثر فيه عديد أحلاس
4
الحرب، حتى لكأنهم يولدون بين أغصان الغار، أبوه تفرد في زمانه، بين أقرانه الصناديد، ببأس لزمه ما لزمته قوته، فضربت به الأمثال، خطت معاركه آياتها غضون جبهته، فهي تحدثنا إلى اليوم عما كان شأنه في عصره، ورجائي أن أرى من الولد ما رأيته من والده، فلا حرج على بنيتي من قبلي أن تمنحه هواها.» قال هذا وقد حانت ساعة انصرافه إلى المجلس، فقطعت ذلك الحديث قبل مضيه فيه، ولكنني أستخلص من هذه الكلمات القلائل أن فكره غير متردد كثيرا بين الخاطبين. ينظر الملك اليوم في اختيار مرشد لابنه، والى أبيك سيسند هذا المقام السامي، ذلك لا ريب فيه، فإن لم يكن له نظير في البأس والإقدام فهو اليوم بلا مناظر، وحقيق به أن يقلد ذلك المنصب. ولما كان دن لذريق قد أقنع أباه بمفاتحة أبيك في هذا الشأن عند انقضاض المجلس، فاغتبطي بحسن انتهازه للفرصة، وابتهجي بتحقيق آمالك عن كثب.
Unknown page