Shuyuciyya Wa Insaniyya
الشيوعية والإنسانية في شريعة الإسلام
Genres
والعامل الحاسم في تكوين الطبقة هو وسائل الإنتاج، فمن يملك وسائل الإنتاج الضرورية في المجتمع، فهو سيد المجتمع، وكل ما في المجتمع من شرائع وعقائد وآداب وعادات، فهو مسخر في خدمة مصالحه وأغراضه بقصد أو على غير قصد من الطبقة الحاكمة أو الطبقات المحكومة.
ولا داعية إلى استمداد قول من غير أقوال الماديين التاريخيين لإسقاط هذه القاعدة الكبرى على أساسها؛ لأن الأقوال المسلمة عندهم تكفي لإسقاطها وتشككهم على الأقل فيها، وتوجب عليهم أن يبحثوا عن سبب غير هذا السبب - أو مع هذا السبب - لتفسير الأطوار التاريخية، لولا أنهم يريدون هذا السبب ولا يريدون غيره، ويتعمدون أن يصلوا إلى نتائجه المقدرة عندهم من طريقها أو من غير طريق.
فمن المسلمات عندهم أن الإنسان قد وصل إلى تدجين النبات وتدجين الحيوان قبل أن تظهر فيه طبقة تستغل الطبقات الأخرى، وأن هذا التدجين قد تم على خطوات متعاقبة، أولاها: صيد الحيوان للانتفاع بلحومه وجلوده في الطعام والكساء ، وثانيتها: صيد الحيوان والاحتفاظ به للانتفاع بألبانه وأصوافه، وثالثتها: صيد الحيوان للانتفاع به في الزرع والحرث والانتقال وحمل الأثقال.
فإذا كانت هذه الأطوار الهامة قد تمت قبل نشوء الطبقة، فليس من الحتم إذن أن تكون الطبقة هي التفسير الوحيد للأطوار السابقة والأطوار التي نشأت بعدها، وليس هذا من الحتم بصفة خاصة إذا كانت الأطوار التاريخية ملتبسة العوامل والأسباب كما يقول «إنجلز» في كتابه عن فلسفة «فيورباخ»،
1
وكما يقول في كتابه عن أصل الأسرة، وهو الكتاب الذي اتفق مع أستاذه «ماركس» على آرائه، ومات «ماركس» قبل أن يكتبه، فكانا في جميع هذه الآراء على وفاق.
يقول «إنجلز» ما ترجمته بحرفه: «إنه بينما كان تحقيق هذه القوى الدافعة للتاريخ في حكم المستحيل نظرا لاشتباكها واختفاء العلاقات المتداخلة بينها وبين آثارها، نرى أن عصرنا الحاضر قد بسط إلى الآن هذه العلاقات المتشابكة تبسيطا يمكننا من حل ألغازها، وأنه بعد قيام الصناعات الواسعة - أو بعد الصلح الأوربي سنة 1815، على الأقل - لم يبق سرا مجهولا عند أحد في بريطانيا أن الصراع السياسي كله إنما يدور على تنازع السيادة بين طبقتين: طبقة الملاك النبلاء، والطبقة الوسطى.»
وما معنى هذا على أي وجه من الوجوه أردنا أن نعرف معناه؟
إن معناه البين أن أطوار التاريخ قبل القرن التاسع عشر لم تكن قاطعة في الدلالة على سبب وحيد، لا يسمح بافتراض سبب آخر؛ لاستحالة الفصل بين المقدمات والآثار.
ومعناه أن النظرية التي يريدون من أجلها أن يقلبوا الكون على من فيه قائمة على ملاحظات محصورة في نحو ثلاثين سنة من تاريخ الإنسانية، يجوز جدا أن تختلف بين تلك الفترة التي كانت بداءة انتقال، لم تظهر عواقبها التي لا يطيق الماديون انتظارها؛ لأنهم في عجلة لا تحتمل هذا الانتظار.
Unknown page