Shuyuciyya Wa Insaniyya
الشيوعية والإنسانية في شريعة الإسلام
Genres
وهذا الأسلوب الذي استخدمته إنما يراد به أن يثير أقبح الظنون وأقبح التهم والشبهات حول الخصم، ويدعو حقا على خلاف أسلوب الإقناع والتصحيح إلى بلبلة الآراء بين الطبقة العاملة، وإذا سئلت: أأنت معترف بأن هذا الأسلوب غير مقبول؟ فجوابي: نعم.
مع قيد صغير وهو أنه غير مقبول بين أعضاء حزب متحدين، وإنما يعني الاختلاف بينهم فصم كل عروة من عرى الألفة والوئام، ونقل العراك من التأثير داخل الحزب إلى التأثير في خارجه، أو نقله من الصحيح وإقناع الزملاء إلى هدم نظامهم وإهاجة العمال عليهم ومع العمال جمهرة الشعب على الإجمال.»
ولا شك أن هذا سبب - كلا سبب - لاستباحة كل هذا الشطط في الهدم والتشهير والتحقير وإثارة الشحناء والعداء، وإذا كان هذا كله مستباحا لمجرد الاختلاف على الرأي بين أعضاء الحزب الواحد، فلا حاجة إلى سبب لاستباحته واستباحة ما هو أنكر منه في الخلاف بين الشيوعيين، ومن ينكرون مذهبهم ويخرجون على حدوده، وإن لم تكن له حدود واضحة للمؤمنين أو المنكرين.
وإنه لمن الخزي لهؤلاء المفسدين أن الحقيقة تصدمهم ولا تدعهم في غفلتهم عنها؛ لأنها أكبر من أن يحجبها التجاهل والاستخفاف، وإن وجوه الاعتراض على آرائهم تأتيهم من حولهم ومن داخل معسكرهم، فلا تغيب عنهم طويلا بين المناقشات والمساجلات التي لا مناص منها، ولكنهم يعرضون عنها؛ لأنهم منصرفون عن كل خاطر يشككهم في غايتهم من الهدم والشحناء، مغضبون بكل ما في طبائعهم المريضة من لدد وإصرار على الجانب الذي يخالف وجوه الاعتراض، ولا يقبل التريث في مناقشتها، فإذا اعترفوا بها فإنما هو اعتراف المضطر إلى حين، ثم لا يترتب على ذلك الاعتراف تبديل أو تعديل في الغاية التي لا ينصرفون عنها بحال.
وربما كان من ممهدات العذر لهم أن يجهلوا وجوه الاعتراض، ولا يخرجوا من نطاقهم الضيق إلى ما وراءه من الفروض والآراء، فأما الخزي المحيق بأولئك المفسدين، فهو استخفافهم بدفع كل اعتراض يشككهم في شهوة الهدم والكراهية مهما يبلغ في إلحاحه عليها من جانب الأتباع أو الناقدين.
إنهم أمعنوا في تهوين العوامل الإنسانية في مجرى التاريخ جيلا كاملا بغير تراجع ولا مبالاة، وأملى لهم في هذا الغلو أن دوافع الثورة في القارة الأوربية كانت على أشدها حوالي منتصف القرن التاسع عشر، فلم يشعروا بالحاجة إلى الأناة والاعتدال، ولم يصادفهم ما يكبحهم عن الشطط الذي يتمادى فيه من شاء في أيام الفتنة، ولا يستطاع التمادي فيه مع استقرار الأمور، فلما يئسوا من تحقيق الانقلاب العاجل واحتاجوا إلى مزيد من الإقناع وقليل من العنف والجماح، تراجعوا واعترفوا بعض الشيء بأثر العوامل الإنسانية أو أثر الفكرة في حوادث التاريخ وحركات الإصلاح، وكتب «إنجلز» في سنة 1890 إلى طالب يسأله جلاء الشك في هذه المسألة فقال:
إنه على «ماركس» وعلي أنا يقع بعض التبعة في توكيد العوامل الاقتصادية وإعطائها فوق ما تستحقه من التقرير، وقد كنا أمام حملات خصومنا مضطرين إلى توكيد المبدأ الأصيل في دعوتنا لإنكارهم إياه، ولم يتسع لنا الوقت كل حين لإبراز العوامل الأخرى بين الفعل ورد الفعل من العوامل المتعددة.
وقال «إنجلز» في خطاب آخر: «إنه على حسب الإدراك المادي للتاريخ يكون العامل الفعال في اللحظة الأخيرة عامل الإنتاج والتثمير في الحياة الواقعية. وما حدث قط من «ماركس» ولا مني أننا قررنا غير ذلك، ولكن الذي يحاول أن يجعل العامل المادي وحده فعالا في التاريخ يخرج بالعبارة من معناها إلى كلام مجرد بغير معنى، فالعامل المادي هو المهم في الأساس، ولكن العوامل الأخرى السياسية وغير السياسية - من دساتير وشرائع ومؤثرات ذهنية ونظريات فلسفية وعقائد دينية - كلها تسيطر على منازعات التاريخ، وتقرر أشكالها في كثير من الأحيان.»
3
وليس لهذا الاعتراف من نتيجة معقولة إلا إدحاض المذهب والعدول إلى شيء من الأناة، بل كثير من الأناة، في الدعوة إلى الهدم، والإصرار على اللدد في مكافحة كل مخالفة كبيرة أو صغيرة له في تفسير التاريخ، فإن الفصل بين العوامل الإنسانية وبين العوامل الآلية في حوادث التاريخ المتشابكة ليكونن من ضروب التنجيم والتخمين بعد هذا الاعتراف، ولا يجوز لأحد - بناء على الزيادة هنا أو النقص هناك من هذه العوامل أو تلك - أن يعلنها فتنة عمياء بلا هوادة ولا إصغاء إلى مختلف الآراء.
Unknown page