137

Al-shuyūʿiyya waʾl-insāniyya fī sharīʿat al-Islām

الشيوعية والإنسانية في شريعة الإسلام

Genres

لقد حرم الإسلام الاتجار بأعيان النقود، كما حرم أكل الربا أضعافا مضاعفة، وما من شريعة عصرية تبيح اليوم ما حرمه الإسلام على المرابين، وهي آمنة على سلامة المجتمع من الخراب أو من الفتنة والاضطراب، فأما المعاملات التي لا ضرر فيها على أحد ولا اتجار بالنقد في غير عمل، فليس للإسلام فيها حكم غير حكم القانون الصالح أينما كان، وأنى يكون. •••

ومسألة الحدود الجنائية أدق المسائل بعد مسألة الرق ومسألة المرأة ومسألة المعاملات، ودقتها أنها مسألة فقهية للفقهاء وولاة الأمور، وليس قصارى الأمر فيها أنها مسألة من مسائل الشعائر والمعتقدات.

وهذه المسألة الفقهية الدقيقة تتشعب فيها شروح الفقهاء من حيث تعدد الحدود والجنايات، وتتعدد الشروط والأركان، وتتعدد الأدلة والشبهات، فيقع فيها اللبس الكثير، كما يقع في عموم المسائل الفقهية، ويخطئ المسلم الجاهل دقائق الرأي فيها، كما يخطئها الجاهل بالإسلام من الأجانب عنه أحسن النية أو أساء.

والإفاضة في البحوث الفقهية ليست من أغراض هذا الكتاب، وقد نستوفي أغراضه إذا نبهنا إلى منافذ الخطأ في فهم النظام الاجتماعي الذي جاء به الإسلام، وفهم نظام العقوبات على التخصيص، وهذا ما ننبه إليه بالإيجاز في الأسطر التالية.

إننا نسمع على الدوام أن عقوبات الشريعة الإسلامية ينبغي أن تطابق أحوال القرن العشرين، ونقول: نعم، ولا نحسب أن أحدا يقول غير ذلك، ولكن الألزم من ذلك أن تكون مطابقة للبيئة التي تنزلت فيها وللزمن الذي تنزلت فيه.

وقد تنزلت الشريعة الإسلامية في الجزيرة العربية على عهد الجاهلية، يوم كانت شريعتها الغالبة بين جميع القبائل شريعة الغارات التي تستباح فيها دماء المغلوب وأمواله ونساؤه، وكل مملوك له في حوزة الفرد أو حوزة القبيلة، وكان أهل الكتاب يدينون بشريعة موسى التي لم يبطلها السيد المسيح، ولها حدود مفصلة في التوراة وقصاص تؤخذ فيه العين بالعين والسن بالسن، كما ذكرها القرآن الكريم.

فإذا جاء الإسلام بعقوبات لا تصلح لعصر الدعوة لم يعط التشريع حقه في ذلك العصر ولا في العصور التالية، ولكنه يعطي التشريع حقوقه جميعا إذا صلح لزمانه، ولم ينقطع صلاحه لما بعده، ولم يمتنع فيه باب الاجتهاد عند اختلاف الأحوال، فيشتمل جزاؤه على جنايات الحدود والقصاص، وعلى الجنايات التي تستحدثها أحوال المجتمعات، ويأخذها الشارع بما يلائمها من موجبات الجزاء.

وهذا ما صنعه الإسلام في جنايات الحدود والقصاص، وفي غيرها من الجنايات التي تدخل عند الفقهاء في باب التعزير، وعلينا أن نذكر:

أولا:

أن الحدود مقيدة بشروط وأركان، لا بد من توافرها جميعا بالبينة القاطعة، وإلا سقط الحد، أو انتقل إلى عقوبات التعزيز، إذا كان ثبوته لم يبلغ من اليقين مبلغ الثبوت الواجب لإقامة الحدود.

Unknown page