Shuhada Tacassub
شهداء التعصب: رواية تاريخية وقعت أكثر حوادثها في فرنسا على عهد فرنسوا الثاني ملك فرنسا المتوفى سنة ١٥٦٠م
Genres
إلا أنه سمع يوم 25 نوفمبر (تشرين الثاني) ضجيجا عاليا، فالتف بردائه وخرج من مسكنه، فأبصر الجماهير تسير إلى الساحة الكبرى. فلما وصل إلى الموضع المقصود أبصر عنده فرسانا وحملة بنادق وجنودا، وسمع قرع الطبول، ثم تلاوة خطبة لكاتب المحكمة المخصوصة التي ألفت لمحاكمة أمير كوندة وهذا نصها:
إن الملك، أيها السادة، يعلمكم بما يأتي
غدا سيعدم في هذه الساحة من مدينتنا المحبوبة أورليان، الأمير الخطير، لويس دي بوربون أمير كوندة، ثاني أمراء البيت المالك، قصاصا له على ذنوبه وخيانته للملك، وكذلك يهلك في هذه البلاد كل عدو لله وللملك، وليكلأكم الله جميعا بعنايته.
وتفرق الحكام والفرسان عقيب ذلك مغادرين جمهور الناس في أسوأ حال من الانذهال، وكان جاليو في جملتهم. فلما سمع ما سمع هاله الأمر. فقال في نفسه: ألم يكن في وسع كاترين إنقاذه؟ وهل تمكن الملك من إصدار هذا الحكم وهو على فراش الموت؟ وذلك لأن خبر ضعف الملك قد ذاع في البلد، وانتشر وعلم الخاصة والعامة أنه لا يحب والدته، بل يحب عميه وزوجته دون سواهم. آه ليتني ألقى ذلك الدوق اللعين وأخاه وأبارزهما. ثم أخذ يلعن الدرع التي أنقذت الدوق من رصاصة القاتل المجهول يوم دخول الملك بموكبه الحربي مدينة باريس.
وبعد أن طاف جاليو في البلد عاد إلى مسكنه فألفى ترولوس في انتظاره، فترامى على صدره، وقال: قضي الأمر أيها الصديق!
فأجابه: كلا، وقد أرسلت إليك الملكة هذه الرسالة؛ لتوصلها إلى الأمير، وهي تقول لك: إن تأخير الإعدام يوما واحدا قد ينجي الأمير.
قال: وكيف السبيل إلى ذلك التأخير؟ فسلمه كيسا مملوءا بالدنانير، وقال له: إن الملكة تعتمد على ذكائك ودهائك.
قال: حبا وكرامة، وأخذ يستعد في ذلك النهار، وعندما انتصف الليل قصد إلى ساحة الإعدام حاملا رزما عديدة. فلما وصل إلى مقربة من الحراس الذين يحرسون دكة الإعدام، سأل بسذاجة ظاهرة عن المحكوم عليه، فهزأ به الحراس، وقالوا له: ويك يا رجل، ألست من سكان أورليان، ألم تسمع بالحكم الصادر على أمير كوندة؟
قال: أتعنون ذلك البروتستانتي اللعين؟ ثم صاح: لا بد من بقائي هنا حتى أكون أول من يشاهد مصرعه.
وفتح إحدى الرزم فأخرج منها ست زجاجات من الخمر، ونفح الحراس بعشرة دنانير، فأذنوا له بالدخول تحت خيمة الإعدام، فقال في نفسه: الآن تيسر لي عملي.
Unknown page