Shuhada Tacassub
شهداء التعصب: رواية تاريخية وقعت أكثر حوادثها في فرنسا على عهد فرنسوا الثاني ملك فرنسا المتوفى سنة ١٥٦٠م
Genres
قال: شكرا لك يا جاليو على ما فعلت لأجلي، ومن كان أميرا يسره أن يجد من يخدمه خدمتك إياي دون نفع ولا جدوى؛ لأنك تخدم أميرا لا مال عنده ولا قوة له، وربما بات في الغد سجينا أو أسيرا، ومد يده إلى يد جاليو يصافحه، ثم قال: إذن أنت تظن أن وراء الأكمة ما وراءها؟
أجاب: لا مجال للظن يا مولاي فإني متيقن، وحبسك حاضر كحبس الأميرال دي شاتيليون. - وهل تدري كيف يقبضون علي؟ أعند دخولي أورليان، أم عند الملك، أم في مجلس الحكام؟ - إني أجهل ذلك يا مولاي، ولكنني على علم بأن القوم قد هيئوا محاكمتك والحكم عليك. - ومع ذلك فما إخالهم يتعرضون لي بأذية ؛ لأنني أمير، دمي من دم الملوك، وقد أبلغت الملك خبر قدومي إلى أورليان قبل نهاية شهر أكتوبر، فغدا أكون فيها.
قال جاليو: إنك تلقي بنفسك في أتون التهلكة!
أجاب: ليس الموت يروعني، وفضلا عن ذلك فقد وعدت، ولا أخلف وعدي، والأفضل عندي أن أحاكم، ولا أرجع في كلامي رجوع كاذب، بل حسبي ما يحدق بي من الدسائس التي أريد إزالتها. وهل أكون أنا المذنب إذا شاء الدوق دي جيز تحويل ملتمس أمبواز إلى مؤامرة؟ هل أكون المذنب إذا كان الكاثوليكيون يلجئون أتباع مذهب كلفين إلى الدفاع عن أنفسهم؟ وهل أكون المذنب إذا ثار ماليني وحاول الاستيلاء على مدينة ليون برغمي؟ وهل أكون المذنب إذا كان أحد القواد البروتستانت يروم الانتقام لأخيه؟ إنهم يحسبونني علة لكل ويل ينزل بفرنسا، ولكل خطب يقع فيها. والأجدر أن يهتدي ملك فرنسا إلى الصواب فيعلم أن آل جيز علة هاتيك العلل، لا أمير كوندة! فليحبسوني، وليحاكموني، وليحكموا علي!
وفي اليوم التالي وصل ملك نافار وأمير كوندة إلى أبواب مدينة أورليان، وكان الدوق قد علم بوصولهم من أعوانه، فجمع المقاتلين من جند وحراس وسلحهم تسليحا كاملا وصفهم صفا محكما، أوله عند باب البلد، وآخره عند قصر الملك.
فقال الضباط: هل من عدو مفاجئ؟
فأجابهم الدوق: نعم، وإنه ألد عدو للملك أيها السادة.
وأراد بعض الأشراف مقابلة الأمير إلا أن الدوق لم يأذن بمقابلته ومقابلة أخيه لأحد غير أقربائهما كالكردينال دي بوربون، والأمير دي روشسوريون. وغاظ ملك النافار وأخاه ذلك الاستقبال السيئ، وزاد طنبور سخطهما نغمة أن بعض الضباط الذين سمعوا كلمات الدوق دي جيز تظاهروا بأنهم يهينون الأميرين. غير أن أكثر من كان معهما جرد السيوف، وفي الجملة جاليو، فوصل الأميران من غير حادثة تذكر إلى قصر الملك. (وهذا القصر منزل عمدة المدينة) فدهشا لما أبصرا الأبواب الكبرى مقفلة، وطلبا من الحراس فتحها فأجابوهم بشراسة أن الأبواب الكبرى لا تفتح إلا للملك.
فقال أمير كوندة في نفسه: لقد كان جاليو مصيبا. وترجل وأخوه عن فرسيهما ومعهما الكردينال دي بوربون والأمير دي روشسوريون فدخلوا «بلاط الشرف» ولما علم الملك بقدومهما جلس في أعلى أريكته مع عميه وسائر رجال البلاط، فلم يتقدم لاستقبالهما أحد من الأشراف، واستمر الملك يتحدث مع عميه كأن الأميرين غير حاضرين.
هذا وقد صعد الأخوان درج الأريكة الملكية، وألقيا تحيتهما على الملك، فقال لهما ببرود: ها قد جئتما يا ابني العم بعدما طال الأمد على دعوتنا إياكما.
Unknown page