Shuhada Cilm Wa Ghurba
ذكرى شهداء العلم والغربة
Genres
كان يوم الأربعاء الثامن والعشرين من شهر أبريل سنة 1920 يوما مشهودا بدمياط، لم تر مثله مع كثرة ما مر بها من الحوادث أيام الحروب الصليبية وغيرها، فقد وصلت الجثة إلى محطتها الساعة الواحدة بعد الظهر وحملت إلى مكان الاستراحة، وكان النعش مجللا بأكاليل الزهر التي وضعت عليه عند تشييع الجثث بالإسكندرية، وكان مغطى بالعلم المصري، وموسوما بشارات الحداد.
وكانت مدينة دمياط في ذلك اليوم مغلقة الحوانيت، والأعلام المنكسة مرفوعة في كل مكان، وما وافت الساعة الثالثة بعد الظهر حتى احتشدت الجماهير حول منزل عبد الله بك البكري الذي تبتدئ منه الجنازة، وعند الساعة الرابعة كان تابوت الجثة قد نقل إلى الشاطئ الثاني من النيل، وتحرك الموكب الرهيب في صمت عميق لم تكن تسمع خلاله غير نغمات الموسيقى المحزنة وزفرات المشيعين. وكان نظام الموكب يسير على هذا الترتيب: الموسيقى - عساكر البوليس - جنود خفر السواحل - الخفراء - موسيقى دمياط - تلميذات مدرستي دمياط الأميرية والراهبات - تلاميذ المدرسة الأميرية - نعش الفقيد محمولا على الأعناق ومحاطا بالسواري - والد الفقيد وعائلته - طلبة العلم - رجال الدين والرؤساء الروحانيون - سعادة المحافظ نائبا عن عظمة السلطان - كبار الموظفين - عضو الجمعية التشريعية - عضو لجنة الوفد بدمياط - وفد الإسكندرية - رؤساء المصالح - أعضاء المجلس البلدي - رجال القضاء والمحامون - الأطباء - نظار المدارس ومعلموها - الأعيان والتجار - النقابات بأعلامها. وكان الزحام بالغا حده والطرقات غاصة بالنساء والرجال.
وسار المشهد على هذا الترتيب: من منزل عبد الله بك مخترقا شارع البحر - شارع الخمس - شارع مدرسة البنات - الشارع الأعظم - شارع الحدادين - شارع سوق الجبنة - شارع القرافة، ومنه إلى مقبرة عائلة الفقيد. وكان هناك سرادق فخم معد لاستقبال المشيعين فانعطفوا عليه، وهناك وقف الأستاذ محمد بك يوسف المحامي فأبن الفقيد وشكر المشيعين بالنيابة عن أسرته واختص منهم وفد الإسكندرية.
ثم وقف شاعر دمياط الأستاذ علي أفندي علي العزبي فألقى هذه القصيدة العصماء فاستمطر الدموع وأبكى العيون، وهي:
أصاب الكنانة خطب جلل
أذاب الكبود وأجرى المقل
إرادة محتكم قاهر
وما شاء رب البرايا فعل
ومهما احتملنا من النائبات
فخطب الشبيبة لا يحتمل
Unknown page