ولد في طهطا بمديرية جرجا سنة 1801م/1216ه، وبدت عليه مخايل الذكاء والنباهة منذ صباه، ودخل الأزهر سنة 1817، ولم يمض عليه به بضع سنوات حتى صار من طبقة العلماء، وتولى التدريس فيه سنتين، وصنف وألف ودرس وهو في الحادية والعشرين من سنه، ثم عين واعظا وإماما في أحد آلايات الجيش المصري، ولما جاء عهد البعثات العلمية كان من حسن التوفيق أن اختاره محمد علي ضمن أعضاء البعثة الأولى التي سافرت إلى فرنسا سنة 1826؛ فجمع إلى ثقافته الأزهرية ثقافة أوروبا وعلومها وآدابها، فاقتبس منها الشيء الكثير، وازدهرت روحه الأدبية على ضوء الحضارة الغربية. ولما عاد إلى مصر سنة 1831 تولى عدة مناصب في التعليم، وأنشأ مدرسة الألسن سنة 1836، وكانت أشبه ما تكون بكلية الآداب والحقوق في مصر، وكان رفاعة يتولى نظارتها ويلقي فيها دروسه على الطلبة؛ فكانت أكبر معهد لنشر الثقافة في مصر، وتنقل في المناصب العلمية، وكان لا يفتأ يؤلف ويخرج من حين لآخر مصنفاته ومعرباته في العلوم والآداب إلى أن أدركته الوفاة سنة 1873.
2
وهو أول رائد لنهضة العلم والأدب في النصف الأول من القرن التاسع عشر، كان شاعرا رقيقا بالقياس إلى عصره، أشربت نفسه الوطنية منذ نعومة أظفاره، تلقاها من إيمانه الصادق (وحب الوطن من الإيمان)، ومن فطرته السليمة، وخلوص نيته. وقد استثار رحيله عن مصر إلى فرنسا عاطفته الوطنية العميقة المتأصلة في نفسه الحساسة؛ فجادت قريحته وهو في باريس بقصيدة عبر فيها عن الحنين إلى الوطن وأهله، والإشادة بمفاخره، قال في مطلعها:
ناح الحمام على غصون البان
فأباح شيمة مغرم ولهان
وانتقل إلى التغني بمصر وذكر محاسنها وقال:
هذا لعمري إن فيها سادة
قد زينوا بالحسن والإحسان
يا أيها الخافي عليك فخارها
فإليك أن الشاهد الحسنان
Unknown page