لم يخف على بهجت أن شيئا ما يدبر له في الوزارة، فحزم أمره أن يستغل الأسهم التي أصبحت باسمه في شركة الغزل، فذهب إلى رئيس مجلس الإدارة أمجد بك علوان. - أتستطيع أن تفي لي هذا الأمر يا أمجد بك؟ - أي أمر يا بهجت بك؟ - إنني من أكبر المساهمين في الشركة وكنت من المسئولين عن الشئون القانونية، فمن أجدر مني بعضوية مجلس الإدارة في الشركة؟!
ولم يتردد أمجد علوان كثيرا، وإنما قال: اعتبر نفسك عضوا بمجلس الإدارة. - لا بد أن يكون الأمر رسميا. - الجمعية العمومية ستجتمع بعد غد، فاعتبر الأمر منتهيا.
وفعلا اختير بهجت سعيد العزوني عضوا بمجلس الإدارة، ولم يمر شهران على هذا التعيين حتى استدعاه شعبان بك كرارة وكيل وزارة التجارة. - يا أستاذ بهجت، العقود التي توافق عليها أو الغالبية العظمى فيها تدور حولها الأحاديث، وأنا أعرف أنك صهر كمال باشا وجدي، وعلمت أيضا أنك رزقت من ابنته بولد ...
وقاطعه بهجت محاولا أن يخفف الحدة التي تسود أجواء اللقاء بينهما. - ولقد تفضلت سعادتكم وهنأتني عليه. - ليس هذا هو المهم. أنا لا أريد أن أجري تحقيقا في التهم الموجهة إليك عندي؛ لأنها إذا ثبتت لن يكون الرفت وحده هو الجزاء، بل إن الأمر قد يصل إلى ... إلى وقاطعه بهجت: لست في حاجة أن تقول ولكنني أريح سعادتك؛ فأنا أرى أنك تريد أن تنقلني إلى مكان آخر. - هذا المكان سيكون في الوزارة، وليس من الطبيعي أن أنقل إليه موظفا أنا شخصيا لا أثق فيه، ولا تغضب من التعبير فهو أخف عبارة أجدها.
وقال بهجت في حسم: شعبان بك، أتريدني أن أستقيل؟ - اطلب تسوية معاشك. - أمرك.
وحين حاول بهجت أن يبرر الأمر لكريمة قال لها: ليس من المعقول أن أكون عضو مجلس إدارة شركة كبيرة، وموظفا يتلقى أوامره من أمثال شعبان كرارة.
وقالت كريمة: شعبان كرارة وكيل وزارة وليس شيئا هينا، والحكومة كانت أبقى لك.
فقال في محاولة استكبار: والله زهقت.
وفي ذكاء شديد قالت كريمة: بهجت، هل استقلت أم أجبرت على الاستقالة؟ - أنا لم أستقل، وإنما طلبت تسوية معاشي باختياري، وتستطيعين أن تتأكدي من هذا. - أصدقاء أبي كثيرون، وأستطيع أن أعرف، ولكن السؤال في ذاته مصيبة وفضيحة، وإذا لم أستر أنا على زوجي ووالد ابني فمن يستر؟ ولكن اعلم أنني حزينة، والأمر لله من قبل ومن بعد.
لم يتوان بهجت عن التوجه إلى رئيس مجلس إدارة الشركة. - أبيت أن أكون عضو مجلس إدارة معك وموظفا، فسويت معاشي بالحكومة وتركتها. - خيرا فعلت، ولو أنك كنت تفيد الشركة هناك. - اعتبرني هناك بالموظفين الذين كنت أرأسهم وبأصدقائي. - فعلا، أنت محق، كأنك الآن لا تعمل في الصباح؟ - يا سيدي، المسألة بسيطة، أستطيع أن أجيء إلى هنا. - تجيء إلى هنا دون أن يكون لك مكتب؟ غير معقول، اسمع يا بهجت بك، أنا سأقترح عليك اقتراحا. - وأنا تحت أمرك. - الواقع أنني كبرت وعلت بي السن، وأنا الذي أنشأت هذه الشركة من العدم حتى أصبحت على ما ترى. - طبعا، الجميع يعرفون هذا. - أنا احتفظت لنفسي برئاسة مجلس الإدارة مع منصب العضو المنتدب فترة طويلة. - منذ إنشاء الشركة. - العضو المنتدب عمله يتطلب الدخول في كثير من التفاصيل أنا أصبحت لا أطيقها، ما قولك في أن تصبح العضو المنتدب وأكتفي أنا برئاسة مجلس الإدارة؟ - هذه ثقة غالية. - وأنت كفء لها. - على بركة الله. - تجيء إلينا غدا صباحا، ستجد مكتبك معدا.
Unknown page