قلنا: نحن نقول بموجبه؛ ولكن الخبر يقتضي أن ما هذه حاله لا يغيره إلا ما يقع فيه من النجاسة ولم يذكر أن دونه ينجس بوقوع النجاسة فيه سواء غيرت شيئا من أوصافه أم لا فهو مسكوت عنه مع أنه قد قيل: إنها كانت طريقا للماء إلى البساتين، وكذلك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الماء لا يخبث)) عام أيضا للقليل والكثير، فإن قيل: إن قول الله تعالى:{والرجز فاهجر}[المدثر:5] يقتضي وجوب هجران ما وقعت فيه نجاسة من المياه سواء كان الماء قليلا أو كثيرا.
قلنا: هذا أيضا عام، وقد علمنا بالإجماع المعلوم أن الماء إذا كان كثيرا ولم تغير النجاسة الواقعة فيه شيئا من أوصافه جاز التطهر به، فما الفرق بين القليل والكثير في ذلك؟ ثم إنا نقول: إن علماء التفسير اختلفوا في معنى قوله تعالى:{ والرجز فاهجر}[المدثر:5] فقيل:ترك الذنوب والمآثم، وقيل: كل معصية، وقيل: اهجر الأوثان فلا تعبدها، وقيل: اجتنب الشرك، وقيل: الشيطان أي طاعته، وقيل: العذاب أي ما يوجبه، وقيل: كان عند البيت صنمان فقال الله تعالى:{ والرجز فاهجر} وقيل: جانب كل قبيح وخلق ذميم مثل الخنا، والسفه، والبخل، وما أشبه ذلك، وقيل: اسقط حب الدنيا من قلبك فإنه رأس كل خطيئة، وقيل: الزاي بدل السين يعني والرجس فاهجر، وهذا قول تفرد به الضحاك، ولو صح هذا وسلمنا أنه بمعنى الرجس فاهجر فإنه عموم في المعنى كأنا أمرنا بهجر عموم ما كانت فيه نجاسة من ماء وغيره، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليتركنا على غير بيان، بل قال فيما رواه علماء الإسلام : ((خلق الماء طهورا لا ينجسه إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه)) وفي بعض الأخبار: ((إلا ما غير ريحه أو لونه أو طعمه)) فصار هذا الخبر خاصا لكل عموم من الظواهر، ومبينا لكل مجمل، فيجب المصير إليه؛ لكونه مفصلا واضحا لا لبس فيه، والله الهادي.
Page 93