ومع هذا كله فلنسلم (1) أن هذا البعد مفترض عند الوهم إذ أعدم جسم أو أجسام ، فما يدريه أن هذا التوهم ليس فاسدا ، حتى لا يكون تابعه محالا؟ وهل صحيح أن هذا الفرض ممكن حتى يكون ما يتبعه غير. محال؟ فعسى أن يقضى هذا القائل بأن (2) الوهم عليه (3) وأن كل ما يوجبه الوهم واجب. وليس الأمر كذلك ، فكثير من الأحوال الموجودة (4) مخالف للموهوم. وبالجملة يجب أن نرجع إلى ابتداء الكلام ، فنقول : إن التحليل تمييز (5) لأشياء صح وجودها فى المجتمع ، ولكنها مختلطة عند العقل ، فيفصل (6) بعضها من (7) بعض بقوته وبحده (8) أو يكون بعضها يدل على وجود الآمر (9) فإذا تأمل حال بعضها انتقل منه إلى الآخر ، ويكون الرفع حينئذ بمعنى الترك له (10) والإعراض عنه إلى آخر لا بمعنى الإعدام (11).
وأما الحجة التي بعد هذا (12)، فجوابها أن قول هذا القائل (13): إن الجسم يقتضى المكان لا بسطحه بل بجسميته ، إن عنى به أن الجسم بسطحه (14) وحده لا يكون فى مكان (15)، بل إنما يكون فى (16) المكان بجسميته ، أو عنى أنه لأنه جسم يصلح أن يكون فى مكان ، فالقول حق ، وليس يلزم منه (17) أن يكون مكانه جسما ، فإنه (18) ليس يجب إذا كان أمر (19) يقتضى حكما ما (20) أو إضافة إلى شيء ما بسبب (21) وصف له. أن يكون المقتضى بذلك الوصف : فليس إذا كان الجسم يحتاج إلى مباد لكونه جسما لا لكونه (22) موجودا ، يجب أن تكون مبادئه أيضا أجساما ، إذ (23) كان العرض يحتاج إلى موضوع لكونه عرضا أن يكون موضوعه عرضا. وأما إن عنى به أن كل بعد من جسميته (24) يقتضى بعدا يكون فيه فهو مصادرة على (25) المطلوب الأول ، وبالجملة أنه ليس إذا كان بجسميته (26) يقتضى المكان يجب أن (27) يلاقى بجميع جسميته (28) المكان ، كما أنه لو كان بجسميته (29) يقتضى الحاوى ، فليس يلزم أن يكون بجميع جسميته (30) يلاقى الحاوى. وبالجملة فإنه غير مسلم أن الجسم يقتضى لجسميته (31) مكانا إلا مقدار (32) ما يسلم (33) أنه بجسميته (34) يقتضى
Page 142