فنقول إن ظهور اللون يفهم منه فى هذا الموضع معنيان أحدهما صيرورة اللون بالفعل والآخر ظهور لون موجود بنفسه بالفعل للعين، والمعنى الأول يدل على حدوث اللون أو وجوده لونا والمعنى الثانى يدل على حدوث نسبة اللون أو وجود تلك النسبة، وهذا الوجه الثانى ظاهر الفساد، فإن ظن أن النور نفس نسبة اللون إلى البصر فيجب أن يكون النور نسبة أو حدوث نسبة ولا قوام وجود له فى نفسه، وإن عنى به أنه مصير اللون بحيث لو كان بصر لرآه أو كونه كذلك فإما أن يكون هذا نفس اللون أو معنى يحدث إذا زال معنى من خارج كزوال ستر أو غيره، فإن كان نفس اللون كان هذا هو الوجه الأول وإن كان حالا تعرض له بها يظهر فيكون الضوء غير اللون، وأما المعنى الأول فلا يخلوا أيضا إما أن يعنى بالظهور خروج من القوة إلى الفعل فلا يكون الشىء مستنيرا بعد ذلك الآن الواحد، وإما أن يعنى به نفس اللون فيكون قوله الظهور لا معنى له أيضا بل يجب أن يقال إن الاستنارة هو اللون، أو يعنى به حال يقارن اللون إما دائما وإما وقتا ما حتى يكون اللون شيئا يعرض له النور تارة ويعرض له الظلمة أخرى واللون فى الحالين موجود بالفعل، فإن كان نفس نسبته إلى ما يظهر له عاد إلى المذهب الآخر وإن كان شيئا آخر عاد إلى ذلك أيضا، فإن قررنا الأمر على أن الضوء وإن كان نفس اللون فيكون كأن الضوء هو اللون نفسه إذا كان بالفعل فلا يخلوا إما أن يكون الضوء مقولا على كل لون بالفعل أو يكون البياض وحده لونا فيكون السواد ظلمة، فيستحيل أن يكون الجسم الأسود مشرقا بالضوء، لكن هذا ليس بمستحيل فإن الأسود يشرق وينور غيره، فليس الضوء هو البياض وحده، وإن لم يكن الضوء هو البياض وحده بل كل لون كان بعض ما هو ضوء يضاد بعض ما هو ضوء، ولكن الضوء لا يقابله إلا الظلمة، هذا خلف، وأيضا فإن المعنى الذى به الأسود مضىء غير سواده لا محالة وكذلك هو غير البياض، واللون أعنى طبيعة جنسه الذى فى السواد هو نفس السواد واللون الذى فى البياض هو نفس البياض لا عارضا له، فليس اللون المطلق الجنسى هو الضوء، وأيضا فإن الضوء قد يستنير به الشفاف كالماء والبلور إذا كان فى ظلمة فوقع عليه الضوء وحده دل عليه وأشف، فهذا ضوء وليس بلون، وأيضا فإن الشىء يكون مضيئا وملونا، فتارة يشرق منه على شىء آخر الضوء وحده كما يشرق على ماء أو حائط وتارة يشرق منه إذا كان قويا الضوء مع اللون جميعا حتى يحمر الماء أو الحائط الذى يشرق عليه أو يصفره، فلو كان الضوء ظهور اللون وكانت الظلمة خفاء اللون لكان تأثير اللون الأحمر فيما يقابله حمرة لا بريقا ساذجا، فإن كان هذا ظهور لون آخر فلم إذا اشتد فعل فيما يقابله إخفاء لونه بأن ينقل لون هذا القوى اللون إليه، وعلى أن مذهب هذا الإنسان يوجب أن الحمرة والخضرة وغير ذلك مختلطة من ظهورات وخفاءات سوادية، فيلزم من ذلك أنه إذا كان جسم ظاهر اللون بشعاع وقع عليه ثم انعكس على المعنى الذى نفهمه ضوء جسم آخر ذى لون أن لا يقع لونه عليه لأنه لا يخلوا إما أن يكون هذا المستنير المنير لغيره الأجزاء الظاهرة اللون وحدها أو مع غيرها، فإن كانت وحدها فهى إنما توجب ظهور اللون فى تلك بأن تبيض لاخفاء اللون بأن تحمر أو تخضر، وإن كانت مع غيرها حتى كانت الظاهرة اللون والخفية اللون تفعلان جميعا هذه إخفاء وتلك إظهارا فيكون لخفاء اللون تأثير فى المقابل، لكن خفاء اللون ليس له هذا التأثير، ألا ترى أنه إذا كان خفاء لون مجرد لم يؤثر فيما يقابله كما يؤثر ظهور اللون الذى يقولون به لو كان مفردا؟ فإن قالوا إن اللون ظهور الحمرة أيضا والخضرة وغير ذلك من حيث هى حمرة وخضرة وإن الحمرة والخضرة إذا اشتد ظهورها فعلت مثل نفسها ففعلت حمرة وخضرة، فيقال ما باله إذا كان قليل الظهور أظهر اللون فيما، يقابله على ما هو عليه على المعنى الذى هو ضوء مجرد فقط وفعل مثل ما يفعله مضىء لو لم يكن له لون فإذا اشتد ظهوره أبطله أو أخفاه بلون نفسه، وكان يجب أول الأمر أن يكون إنما يفعل فيه لونا من لونه قليلا ثم إذا اشتد فعل فيه كثيرا وكان كل فعل يفعله إنما هو إخفاء لون ذلك بمزجه بلونه، وليس كذلك بل يظهر أول شىء لونه إظهارا شديدا، وإنما يظهر فيه اللون الذى فى استعداده ما لو حضر مضىء لا حمرة ولا خضرة فى فعله ثم يعود بعد ذلك إذا صار أقوى ظهورا آخذا فى إبطال لونه وإخفائه وإلباسه لونا آخر ليس فى جبلته ولا طبيعته، فيكون إذن أحد الفعلين عن شىء غير الآخر، فيكون مصدر أحد الفعلين عن الضوء الذى لو كان الجسم لا لون له وله ضوء لكان يفعل ذلك مثل بلورة مضيئة، والفعل الآخر يكون من لونه إذا اشتد ظهوره بسبب هذا الضوء حتى صار متعديا، فإنا وإن كنا نقول إن الضوء ليس هو فظهور اللون فلا نمنع أن يكون الضوء سببا لظهور اللون وسببا لنقله، ونقول إن الضوء جزء من جملة هذا المرئى الذى نسميه لونا، وهو شىء إذا خالط اللون بالقوة حدث منهما الشىء الذى هو اللون بالفعل بالامتزاج، فإن لم يكن ذلك الاستعداد كانت إنارة وبريقا مجردا فالضوء كجزء من الشىء الذى هو اللون ومزاج منه، كما أن البياض والسواد لهما اختلاط ما تحدث عنه تلك الألوان المتوسطة،
Page 103