وأما المذاهب الآخر وهو المذهب الذى لا يرى لهذا النور معنى بل يجعله اللون نفسه إذا ظهر ظهورا بينا فإن لأصحابه أن يقولوا إن الذى نعتبر فى هذا الباب ما يتخيل مع اللون من بريق يلزم الملونات، وليس ذلك البريق شيئا فى المرئى نفسه بل أمر يعرض للبصر بالمقايسة بين ما هو أقل ضوءا وما هو أشد ضوءا وشدة ظهور اللون لشدة تأثير الشىء المضيء، فأن الإنارة التى من السراج أقل قليلا من الإنارة التى من القمر والإنارة التى من القمر الذى هى الفخت أقل قليلا من الإنارة التى فى البيوت المستورة نهارا عن الشمس بل عن المواضع ذوات الظل التى ليس فيها شعاع الشمس، وذلك لأن الفخت يبطل فى ظل البيوت إذا طلعت الشمس فيتلاشى، ويكون ما يبصر فبها أقوى مما يبصر فى الفخت، والناس لا يرون لما كان فى الظل - وإن كان منيرا- براقية وشعاعية البتة، ويرون أن نور السراج يفعل فى الأجسام بريقا ونور القمر فى الليل يفعل ذلك، وذلك بالقياس إلى الظلمة الليلية فإن الظلمة الليلية تخيل ذلك القدر أنه شعاع براق وليس ذلك إلا ظهورا ما من اللون، والذى للشمس أقوى وأشد تأثيرا، فليرنا مرىء من مثبتى شىء، سوى |اللون أن على الحائط الأبيض شيئا غير البياض وغير ظهوره يسمى ذلك الشىء شعاعا، فإن قايس مقايس ذلك بالظل على الحائط فذلك الظل بسبب ظلمة ما يخفى لها من البياض ما كان يجب أن يظهر، وكأنه خلط من الظلمة التى لا معنى لها إلا خفاء أو زيادة خفاء كما أن النور لا معنى له إلا ظهور أو زيادة ظهور، ومن هؤلاء قوم يرون أن الشمس ليس ضوءها إلا شدة ظهور لونها، ويرون أن اللون إذا بهر البصر لشدة ظهوره رؤى بريق وشعاع يخفى اللون لعجز البصر لا لخفاءه فى نفسه، وكأنه يفتر البصر عن إدراك الجلى، فإذا انكسر ذلك رؤى لون، قالوا والحيوانات التى تلمع فى الليل إذا لمعت لم يحس لونها البتة وإذا كان نهار كان لها لون ظاهر ولم يكن فيها لمعان، فذلك اللمعان هو بسبب شدة ظهور ألوانها لا غير حتى يرى فى الظلمة ويكون فى غاية القوة حين يظهر فى الظلمة فيبهر البصر إذ كانت الظلمة أضعفته، فإذا أشرقت الشمس غلب ظهورها ظهور ذلك فعاد لونها، والبصر لم يتحير له لأن البصر قد اعتاد لقاء الظاهرات واشتد بطلوع الشمس، ومنهم من قال ليس الأمر على هذه الصفة بل الضوء شىء واللون شىء، لكنه من شأن الضوء إذا غلب على البصر أن يستر لون ما فيه، والشمس أيضا لها لون ومع اللون ضوء فيستر الضوء اللون باللمعان كما للقمر وكما للسبجة السوداء الصقيلة إذا لمعت رؤيت مضيئة ولم ير سوادها، قالوا وهذا غير النور فإن النور هو ظهور اللون لا غير، والضوء ليس هو ظهور اللون بل شىء آخر وقد يخفى اللون، وإن هذه اللوامع فى الليل يظهر نورها فى الظلمة فيخفى لونها وإذا ظهرت الشمس غلب نورها وخفى وظهر لونها، فبالحرى أن نتأمل هذا المذهب مع فروعه المذكورة،
فصل 3 (فى تمام مناقضة المذاهب المبطلة لأن يكون النور شيئا غير اللون الظاهر وكلام فى الشفاف واللامع)
Page 100