فالأجسام بالقسمة الأولى على قسمين، جسم ليس من شأنه هذا الحجب المذكور وليسم الشاف، وجسم من شأنه هذا الحجب كالجدار والجبل، والذى من شأنه هذا الحجب فمنه ما من شأنه أن يرى من غير حاجة إلى حضور شىء آخر بعد وجود المتوسط الشاف وهذا هو المضىء كالشمس والنار، ومثله غير شفاف بل هو حاجب عن إدراك ما وراءه، فتأمل إظلال المصباح عن المصباح، فإن أحدهما يمنع عن أن يفعل الثانى فيما هو بينهما، وكذلك يحجب البصر عن رؤية ما وراءه، ومنه ما يحتاج إلى حضور شىء آخر يجعله بصفة وهذا هو الملون، فالضوء كيفية القسم الأول من حيث هو كذلك، واللون كيفية القسم الثانى من حيث هو كذلك، فإن الجدار لا يمكن المضىء أن ينير شيئا خلفه ولا هو بنفسه منير، فهو الجسم الملون بالقوة، واللون بالفعل إنما يحدث بسبب النور، فإن النور إذا وقع على جرم ما حدث فيه بياض بالفعل أو سواد أو خضرة أو غير ذلك، فإن لم يكن كان أسود فقط مظلما، لكنه بالقوة ملون إن عنينا بالون بالفعل هذا الشىء الذى هو بياض وسواد وحمرة وصفرة وما أشبه ذلك، ولا يكون البياض بياضا والحمرة حمرة إلا أن تكون على الجهة التى تراها ولا تكون على هذه الجهة إلا أن تكون منيرة، ولا تظن أن البياض على الجهة التى تراها والحمرة وغير ذلك يكون موجودا بالفعل فى الأجسام لكن الهواء المظلم يعوق عن إبصاره فإن الهواء نفسه لا يكون مظلما إنما المظلم هو الذى هو المستنير، والهواء نفسه وإن كان ليس فيه شىء مضىء فإنه لا يمنع إدراك المستنير ولا يستر اللون إذا كان موجودا فى الشىء تأمل كونك فى غار وفيه هواء كله على الصفة التى تظنه أنت مظلما، فإذا وقع النور فى جسم خارج موضوع فى الهواء الذى تحسبه نيرا فإنك تراه ولا يضرك الهواء المظلم الواقف بينك وبينه بل الهواء عندك فى الحالين كأنه ليس بشىء، وأما الظلمة فهو حال أن لا ترى شيئا وهو أن لا تكون الكيفيات التى إذا كانت موجودة فى الأجرام التى لا تشف صارت مستنيرة فهى مظلمة وبالقوة، فلا تراها ولا ترى الهواء، فيتخيل لك ما يتخيل لك إذا أغمضت عينيك وسترتهما، فيتخيل لك ظلمة مبثوثة تراها كما يكون من حالك وأنت محدق فى هواء مظلم، وليس كذلك ولا أنت ترى وأنت مغمض هواء مظلما، أو ترى ما ترى من الظلمة شيئا فى جفونك، إنما ذلك أنك لا ترى، وبالجملة فإن الظلمة عدم الضوء فيما من شأنه أن يستنير، وهو الشىء الذى قد يرى لأن النور مرئى وما يكون فيه النور مرئى، والشاف لا يرى البتة، فالظلمة فى محل الاستنارة وكلاهما أعنى المحلين جسم لا يشف، فالجسم الذى من شأنه أن يرى لونه إذا كان غير مستنير كان مظلما ولم يكن فيه بالحقيقة لون بالفعل، ولم يكن ما يظن أن هناك ألوانا ولكنها مستورة بشىء فإن الهواء لا يستر وإن كان على الصفة التى يرى مظلما إذا كانت الألوان بالفعل، لكنه إن سمى إنسان الاستعدادات المختلفة التى تكون فى الأجسام التى إذا استنارت صار واحد منها الشىء الذى تراه بياضا والآخر حمرة ألوانا فله ذلك إلا أنه يكون باشتراك الإسم، فإن البياض بالحقيقة هو هذا الذى يكون على الصفة التى ترى، وهذا لا يكون موجودا وبينك وبينه شفاف يشف ولا تراه، لأن الشفاف قد يكون شفافا بالفعل وقد يكون شفافا بالقوة، وليس يحتاج فى أن يكون بالفعل إلى استحالة فى نفسه بل إلى استحالة فى غيره أو إلى حركة فى غيره، وهذا مثل المسلك والمنفذ فإنه لا يحتاج فى أن يكون بالفعل إلى أمر فى نفسه بل إلى وجود السالك والنافذ بالفعل، فأما الاستحالة التى يحتاج إليها الشفاف بالقوة إلى أن يصير شفافا بالفعل فهى استحالة الجسم الملون إلى الاستنارة وحصول لونه بالفعل، وأما الحركة فأن يتحرك الجسم المضىء إليه من غير استحالة فيه، وقد عرفت كنه هذا فيما سلف، فإذا حصل أحد هذين الأمرين تأدى المرئى وصار هذا شفافا بالفعل لوجود غيره، فحرى بنا أن نحقق أمر هذا التأدى إلا أن الواجب علينا أن نؤخر الأمر فيه إلى أن نذكر شكوكا تعرض فيما قلناه يسهل من حلها تصحيح ما قلناه،
فصل 2 (فى أن النور ليس بجسم بل هو كيفية تحدث فيه وفى مذاهب (وشكوك فى أمر النور والشعاع)
Page 95