وإذ قد تكلمنا فى أمر اللمس والذوق والشم فبالحرى أن نتكلم فى أمر السمع، فنقول إن الكلام فى أمر السمع يقتضى الكلام فى أمر الصوت وماهيته، وقد يليق بذلك الكلام فى الصدا، فنقول إن الصوت ليس أمرا قائم الذات موجودا ثابت الوجود يجوز فيه ما يجوز فى البياض والسواد والشكل من أحكام الثبات على أن يصح فرضه ممتد الوجود وأنه مثلا لم يكن له مبدأ وجود زمان كما يصح هذا الفرض فى غيره، بل الصوت بين واضح من أمره أنه أمر يحدث، وأنه ليس يحدث إلا عن قلع أو قرع، أما القرع فمثل ما قرع صخرة أو خشبة فيحت صوت، وأما القلع فمثل ما يقلع أحد شقى مشقوق عن الآخر كخشبة تنحى عليها بأن تبين أحد شقيها عن الآخر طولا، ولا تجد أيضا مع كل قرع صوتا، فإن قرعت جسما كالصوف بقرع لين جدا لم تحس صوتا، بل يجب أن يكون للجسم الذى تقرعه مقاومة ما وأن يكون للحركة التى للقروع به إلى المقروع عنف صادم فهناك يحس، وكذلك إذا شققت شيئا يسيرا يسيرا وكان الشىء لا صلابة له لم يكن للقلع صوت البتة، والقرع بما هو قرع لا يختلف والقلع أيضا بما هو قلع لا يختلف لأن أحدهما إمساس والآخر تفريق، لكن الإمساس يخالف الإمساس بالقوة والسرعة، أو التفريق أيضا يخالف التفريق بمثل ذلك، ولأن كل صاير إلى مماسة شىء فيجب أن يفرغ لنفسه مكان جسم آخر كان مماسا له لينتقل إليه وكل مقلوع عن شىء فقد يفرغ مكانه حتى يصار إليه وهذا الشىء الذى فيه هذه الحركات شىء رطب سيال لا محالة إما ماء وإما هواء فيكون مع كل قرع وقلع حركة للهواء أو ما يجرى مجراه إما قليلا قليلا وبرفق وإما دفعة على سبيل تموج أو انجذاب بقوة، فقد وجب أن هاهنا شيئا لا بد أن يكون موجودا عند حدوث الصوت وهو حركة قوية من الهواء أو ما يجرى مجراه، فيجب أن نتعرف هل الصوت هو نفس القرع أو القلع أو هو حركة موجبة تعرض للهواء من ذلك أو شىء ثالث يتولد من ذلك أو يقارنه، أما القرع والقلع فإنهما يحسان بالبصر بتوسط اللون ولا شىء من الأصوات يحس بتوسط اللون فليس القرع والقلع بصوت بل إن كان ولا بد فسببا الصوت، وأما الحركة فقد يشكك من أمرها فيظن أن الصوت نفس تموج الهواء، وليس كذلك أيضا، فإن جنس الحركة يحس أيضا بسائر الحواس وإن كان بتوسط محسوسات أخرى، والتموج الفاعل لصوت قد يحس حتى يؤلم، فإن صوت الرعد قد يعرض منه أن يدك الجبال وربما ضرب حيوانا فأفسده، وكثيرا ما يستظهر على هدم الحصون العالية بأصوات البوقات، بل حس اللمس كما أشرنا إليه قبل أيضا قد ينفعل من تلك الحركة من حيث هى حركة، ولا يحس الصوت، ولا أيضا من فهم أن شيئا حركة فهم أنه صوت، ولو كانت حقيقة الصوت حقيقة الحركة لا أنه أمر يتبعها ويلزم عنها لكان من عرف أن صوتا عرف أن حركة، وهذا ليس بموجود، فإن الشىء الواحد النوعى لا يعرف ويجهل معا إلا من جهتين وحالتين، فجهة كونه صوتا فى ماهيته ونوعيته ليس جهة كونه حركة فى ماهيته ونوعيته، فالصوت إذا عارض يعرض من هذه الحركة الموصوفة يتبعها ويكون معها، فإذا انتهى التموج من الهواء أو الماء إلى الصماخ وهناك تجويف فيه هواء راكد يتموج بتموج ما ينتهى إليه ووراءه كالجدار مفروش عليه العصب الحاس للصوت أحس بالصوت،
Page 84