فنقول نحن إنه يجوز أن يكون المشموم هو البخار ويجوز أن يكون الهواء نفسه يستحيل من ذى الرائحة فيصير له رائحة فيكون حكمه أيضا حكم البخار فيكون كل شىء لطيف الأجزاء من شانه أن ينفذ إذا بلغ آلة الشم ولا قاها- كان بخارا أو هواء مستحيلا إلى الرائحة أحس به، وقد علمت أن كل متوسط يوصل إليه بالاستحالة فإن المحسوس أيضا لو تمكن من ملاقاة الحاس لأحس به بلا وساطة، ومما يدل على أن الاستحالة لها مدخل فى هذا الباب أنا مثلا نبخر الكافور تبخيرا يأتى على جوهره كله فيكون منه رائحة منتشرة انتشارا إلى حد قد يمكن أن تنتشر منه تلك الرائحة فى أضعاف ذلك الموضع بالنقل والوضع جزء جزء من ذلك المكان كله حتى يتشمم منه فى بقعة بقعة صغيرة ضيقة من تلك الأضعاف مثل تلك الرائحة، فإذا كان فى كل واحدة من تلك البقاع الصغيرة يتبخر منه شىء فيكون مجموع الأبخرة التى تتحلل منه فى جميع تلك البقاع التى تزيد على البقعة المذكورة أضعافا مضاعفة للبخار كله الذى يكون بالتبخير أو مناسبا له، فيجب أن يكون النقصان الوارد عليه فى ذلك قريبا من ذلك أو مناسبا له، ولا يكون، فبين أن هاهنا للاستحالة مدخلا ما، وأما حدي التأدية المذكورة فأمر بعيد، وذلك لأن التأدية لا تكون إلا بنسبة ما ونصبة للمؤدى عنه إلى المؤدى إليه، وأما الجسم ذو الرائحة فليس يحتاج إلى شىء من ذلك، فإنك لو توهمت الكافور قد نقل إلى حيث لا تتأدى إليك رائحته بل قد عدم دفعة لم يمنع أن تكون رائحته باقية بعده فى الهواء، فذلك لا محالة لاستحالة أو مخالطة، وأما حديث الرخم فإنه قد يجوز أن تكون رياح قوية تنقل الروائح والأبخرة المتحللة عن الجيف إلى المسافة المذكورة فى أعلى الجو فيحس بها ما هو أقوى حسا من الناس وأعلى مكانا مثل الرخم وغيره، وأنت تعلم أن الروائح وإن كانت قد تصل إلى كثير من الحيوانات فوق ما تصل إلى الناس بكثير فقد تتأدى إليها المبصرات من مسافات بعيدة وهى تحلق فى الجو حتى يبلغ إبصارها فى البعد مبلغا بعيدا جدا وحتى يكون ارتفاعها أضعاف ارتفاع قلل الجبال الشاهقة، قد رأينا قلل جبال شاهقة جدا وقد جاوزتها النسور محلقة حتى يكاد أن يكون ارتفاعها ضعف ارتفاع تلك الجبال، وقل تلك الجبال قد ترى من ست سبع مراحل، وليس نسبة الارتفاع إلى الارتفاع كنسبة بعد المرئى إلى بعد المرئى فإنك ستعلم فى الهندسة أن النسب فى الأبعاد التى منها يبرى أعظم وأكبر، فلا يبعد أن تكون الرخم قد علت فى الجو بحيث ينكشف لها بعد هذه المسافة فرأت الجيف فإن كان يستنكر تأدى أشباح هذه الجيف إليها فتأدى روائحها التى هى أضعف تأديا أولى بالاستنكار، وكما انه ليس كل حيوان يحتاج إلى تحريك الجفن والمقلة فى أن يبصر كذلك ليس يحتاج كل حيوان إلى استنشاق حتى يشم فإن كثيرا منها يأتيها الشم من غير تشمم،
فصل 5 (فى السمع)
Page 81