والأمور التى تلمس فإن المشهور من أمرها أنها الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والخشونة والملاسة والثقل والخفة، وأما الصلابة واللين واللزوجة والهشاشة وغير ذلك فإنها تحس تبعا لهذه المذكورة، فالحرارة والبرودة كل منهما يحس بذاته لا لما يعرض فى الآلة من الانفعال بها، وأما الصلابة واللين واليبوسة والرطوبة فيظن أنها لا تحس لذاتها بل يعرض للرطوبة أن تطيع لنفوذ ما ينفذ فى جسمها ويعرض لليبوسة أن تعصى فتجمع العضو الحاس وتعصره، والخشونة أيضا يعرض لها مثل ذلك بأن تحدث الأجزاء الناتية منه عصرا ولا تحدث الغائرة شيئا، والأملس يحدث ملاسة واستواء، وأما الثقل فيحدث تمددا إلى أسفل والخفة خلاف ذلك، فنقول لمن يقول هذا القول إنه ليس من شرط المحسوس بالذات أن يكون الإحساس به من غير انفعال يكون منه، فإن الحار أيضا ما لم يسخن لم يحس وبالحقيقة ليس إنما يحس ما فى المحسو بل ما يحدث منه فى الحاس حتى أنه إن لم يحدث ذلك لم يحس به، لكن المحسوس بالذات هو الذى يحدث منه كيفية فى الآلة الحاسة مشابهة لما فيه فيحس، وكذلك الانعصار عن اليابس والخشن، والتملس من الأملس، والتمدد إلى جهة معلومة من الثقل والخفيف، فإن الثقل والخفة ميلان والتمدد أيضا ميل إلى نحو جهة ما، فهذه الأحوال إذا حدثت فى الآلة أحس بها لا بتوسط حر أو برد أو لون أو طعم أو غير ذلك من المحسوسات حتى كان يصير لأجل ذلك المتوسط غير محسوس أولى أو غير محسوس بالذات بل محسوسا ثانيا أو بالعرض، ولكن هاهنا ضرب آخر مما يحس مثل تفرق الاتصال الكائن بالضرب وغير ذلك، وذلك ليس بحرارة ولا برودة ولا رطوبة ولا يبوسة ولا صلابة ولا لين ولا شيء من المعدودات، وكذلك أيضا الإحساس بالملذات اللمسية مثل اللذة التى للجماع وغير ذلك، فيجب أن ينظر أنها كيف هى وكيف تنسب إلى القوة اللمسية وخصوصا فقد ظن بعض الناس أن سائر الكيفيات إنما تحس بتوسط ما يحدث من تفرق الاتصال، وليس كذلك فإن الحار والبارد من حيث يتغير به المزاج يحس على استواءه وتفرق الاتصال لا يكون مستويا متشابها فى جميع الجسم، لكنا نقول إنه كما أن الحيوان متكون بالامتزاج الذى للعناصركذلك هو متكون أيضا بالتركيب، وكذلك الصحة والمرض، فإن منهما ما ينسب إلى المزاج ومنهما ما ينسب إلى الهيئة والتركيب، وكما أن من فساد المزاج ما هو مفسد كذلك من فساد التركيب ما هو مهلك، وكما أن اللمس حس يتقى به ما يفسد المزاج كذلك هو حس يتقى به ما يفسد التركيب، فاللمس أيضا يدرك به تفرق الاتصال ومضاده وهو عوده إلى الالتئام،
Page 70