والعقل العملى يحتاج فى أفعاله كلها إلى البدن وإلى القوى البدنية، وأما العقل النظرى فإن له حاجة ما إلى البدن وإلى قواه لكن لا دائما ومن كل وجه بل قد يستغنى بذاته، وليس ولا واحد منهما هو النفس الإنسانية، بل النفس هو الشىء الذى له هذه القوى، وهو كما تبين جوهر منفرد، وله استعداد نحو أفعال بعضها لا يتم إلا بالآلات ويالإقبال عليها بالكلية، وبعضها يحتاج فيه إلى الآلات حاجة ما، وبعضها لا يحتاج إليها البتة، وهذا كله سنشرحه بعد، فجوهر النفس الإنسانية مستعد لأن يستكمل نوعا من الاستكمال بذاته، ومما هو فوقه لا يحتاج فيه إلى ما دونه، وهذا الاستعداد له هو بالشىء الذى يسمى العقل النظرى، ومستعد لأن يتحرز عن آفات تعرض له من المشاركة كما سنشرحه فى موضعه، وأن يتصرف فى المشاركة تصرفا على الوجه الذى يليق به، وهذا الاستعداد له بقوة تسمى العقل العملى، وهى رئيسة القوى التى له إلى جهة البدن، وأما ما دون ذلك فهو قوى تنبعث عنه لاستعداد البدن لقبولها ولمنفعته، والأخلاق تكون للنفس من جهة هذه القوة كما قد أشرنا إليه فيما سلف، ولكل واحدة من القوتين استعداد وكمال، فالاستعداد الصرف من كل واحدة منهما يسمى عقلا هيولانيا سواء أخذ نظريا أو عمليا، ثم بعد ذلك إنما يعرض لكل واحد منهما أن تحصل له المبادى التى بها تكمل أفعاله، أما للعقل النظرى فالمقدمات الأولية وما يجرى معها، وأما للعملى فالمقدمات المشهورة وهيئآت أخرى، فحينئذ يكون كل واحد منهما عقلا بالملكة، ثم يحصل لكل واحد منهما الكمال المكسب، وقد كنا شرحنا هذا من قبل، فيجب أول كل شىء أن نبين أن هذه النفس المستعدة لقبول المعقولات بالعقل الهيولانى ليس بجسم ولا قائم صورة فى جسم،
فصل 2 (فى إثبات قوام النفس الناطقة غير منطبعة فى مادة جسمانية)
Page 209