ومن خواص الإنسان أنه يتبع إدراكاته للأشياء النادرة انفعال يسمى التعجب ويتبعه الضحك، ويتبع إدراكه للأشياء المؤذية انفعال يسمى الضجر ويتبعه البكاء، ويخصه فى المشاركة أن المصلحة تدعوا إلى أن يكون فى جملة الأفعال التى من شأنه أن يفعلها أفعال لا ينبغى له أن يفعلها، فيعلم ذلك صغيرا وينشأ عليه ويكون قد تعود منذ صباه سماع أن تلك الأفعال ينبغى أن لا يفعلها حتى صار هذا الاعتقاد له كالغريزى، وأفعال أخرى بخلاف ذلك، وتسمى الأولى قبيحة والأخرى جميلة، وليس يكون للحيوانات الأخرى ذلك، فإن كانت الحيوانات الأخرى تترك أفعالا لها أن تفعلها مثل أن الأسد المعلم لا يأكل صاحبه ولا يأكل ولده فليس سبب ذلك اعتقاد فى النفس ورأى ولكن هيئة أخرى نفسانية وهى أن كل حيوان يؤثر بالطبع وجود ما يلذه ويقاءه وأن الشخص الذى يمونه ويطعمه قد صار لذيذا له لأن كل نافع لذيذ بالطبع عند المنفوع، فيكون المانع عن فرسه ليس اعتقادا بل هيئة وعارضا نفسانيا آخر، وربما وقع هذا العارض فى الجبلة ومن الإلهام الإلهى كحب كل حيوان ولده من غير اعتقاد البتة، بل على نوع تخيل بعض الإنسان لشىء نافع أو لذيذ ونفرته عنه إذا كان فى صورته ما ينفر عنه، والإنسان قد يتبع شعوره بشعور غيره أنه فعل شيئا من الأشياء التى قد أجمع على أنه لا ينبغى أن يفعلها انفعال نفسانى يسمى الخجل، وهذا أيضا من خواص الناس، وقد يعرض للإنسان انفعال نفسانى بسبب ظنه أن أمرا فى المستقبل يكون مما يضره وذلك يسمى الخوف، والحيوانات الأخرى إنما يكون ذلك لها بحسب الآن فى غالب الأمر أومتصلا بالآن، وللإنسان بإزاء الخوف الرجاء، ولا يكون للحيوانات الأخرى إلا متصلا بالآن، ولا يكون فيما يبعد من الآن من الزمان ذلك، والذى تفعله من الاستظهار فليس ذلك لأنها تشعر بالزمان وما يكون فيه، بل ذلك أيضا ضرب من الإلهام، والذى تفعله النمل من نقل الميرة إلى جحرتها منذرة بمطر يكون فلأنها تخيل أن ذلك هو ذا يكون فى هذا الوقت كما أن الحيوان يهرب. عن الضد لما يتخيل من أنه هو ذا يريد أن يضربه فى الوقت، ويتصل بهذا الجنس ما للإنسان أن يروى فيه من الأمور المستقبلة أنه هل ينبغى له أن يفعلها أو لا ينبغى، فيفعل ما يصح أن توجب رويته أن لا يفعله وقتا آخر أو فى هذا الوقت بدل ما روى ولا يفعل ما يصح أن توجب رويته أن يفعل وقتا آخر أو فى هذا الوقت بدل ما روى، وسائر الحيوانات إنما يكون لها من الإعدادات للمستقبل ضرب واحد مطبوع فيها وافقت عاقبتها أو لم توافق،
Page 206