فلنقتصر الآن على ما قلناه من أمر القوى المدركة الحيوانية ولنبين أنها كلها تفعل أفعالها بآلات، فنقول أما المدرك من القوى للصور الجزئية الظاهرة على هيئة غير تامة التجريد والتفريد عن المادة ولا مجردة أصلا عن علائق المادة كما تدرك الحواس الظاهرة فالأمر الموجود إنما يكون حاضرا موجودا عند جسم، وليس يكون حاضرا الصور إنما تدرك ما دامت المواد حاضرة موجودة، والجسم الحاضر الموجود إنما يكون حاضرا موجودا عند جسم، وليس يكون حاضرا مرة وغائبا أخرى عندما ليس بجسم، فإنه لا نسبة له إلى قوة مفردة من جهة الحضور والغيبة، فإن الشىء الذى ليس فى مكان لا يكون للشىء المكانى إليه نسبة فى الحضور عنده والغيبة عنه، بل الحضور لا يقع إلا على وضع ويبعد للحاضر عند المحضور، وهذا لا يمكن إذا كان الحاضر جسما إلا أن يكون المحضور جسما أو فى جسم، وأما المدرك للصور الجزئية على تجريد تام من المادة وعدم تجريد البتة من العلائق المادية كالخيال فيحتاج أيضا إلى آلة جسمانية، فإن الخيال لا يمكنه أن يتخيل إلا أن ترتسم الصورة الخيالية فيه فى جسم ارتساما مشتركا بينه وبين الجسم، فإن الصورة المرتسمة فى الخيال من صورة شخص زيد على شكله وتخطيطه ووضع أعضائه بعضها عند بعض التى تتميز فى الخيال كالمنظور إليها لا يمكن أن تتخيل على ما هى عليه إلا أن تلك الأجزاء والجهات من أعضائه يجب أن ترتسم فى جسم وتختلف جهات تلك الصورة فى جهات ذلك الجسم وأجزاءها فى أجزاءه،
ولننقل صورة زيد إلى صورة مربع اب ج د المحدود المقدار والجهة والكيفية واختلاف الزوايا بالعدد، وليكن متصلا بزاويتى .ا ب. منه مربعان كل واحد منهما مثل الآخر، ولكل واحد جهة معينة ولكنهما متشابها الصورة، وترتسم من الجملة صورة شكل مجنح جزئى واحد بالعدد مقرر فى الخيال، فنقول إن مربع .ا ه ر و. وقع غيرا بالعدد لمربع .ب ح ط ى. ووقع فى الخيال بجانب اليمين منه ومتميزا عنه بالوضع المتخيل المشار إليه فى الخيال، فلا يخلوا إما أن يكون لصورة المربعية لذاتها أو لعارض خاص له فى المربعية غير صورة المربعية أو يكون للمادة التى هى تنطبع فيها،
Page 189