134

والأشياء التى تتعرض لها هذه الأحوال، يحكم عليها بأنها تتقابل بسببها؛ وصور هذه الأشياء متخالفة، فإن الفرس جوهر، ويقابله اللافرس لا محالة، على قياس مقابلة الفرسية، إن كانت عرضا. ولتسلم ذلك للافرسية، بل خذ مكانها النفس واللانفس، أو شيئا آخر مما هو جوهر ليس مشتق الاسم من عرض. وأما القضية فهى عرض، والفرس واللافرس ليس يتقابلا التقابل الذى للنقيضين، إذ لا صدق هناك ولا كذب، ولا يتقابل على سبيل الإضافة، ولا على سبيل التضاد، إذا كان تقابل التضاد ما يكون فيه جواز تعاقب على موضوع واحد، بشرائط ذكرت. وأما الزوج والفرد، فليس لهما موضوع واحد يتعاقبان عليه، بل جنس واحد، لموضوعين لهما، لا يفارقانه. وأما العمى والبصر، فيشارك السكون والحركة، فإن العمى ليس معنى مقابلا للبصر، بل هو عدمه، وكذلك السكون للحركة، لكن السكون يعاقب الحركة على موضوع واحد، وأما العمى فلا يعاقبه البصر. وأما المتضايفان، فليس يجب فيهما التعاقب على موضوع، أو اشتراكهما فى موضوع، حتى يكون الموضوع، الذى هو علة لأمر ما، يلزمه لا محالة إمكان أن يصير فيه معلولا، أو يكون هناك موضوع مشترك. وإن كانت العلية والمعلولية من المضاف، فأول ما ينبغى أن يطلب، أنه هل يمكننا أن نجد لهذه كلها معنى جامعا، ولو على سبيل التشكيك فى التقديم والتأخير، إن لم يكن على سبيل التواطؤ البحت، أو لا نجد لها معنى جامعا ؟ لكن التقابل مقول عليها، فيشبه أن يكون التقابل الأول هو نظير ما للفرس للافرس، الذى يمنع اجتماع طرفيه، قولا عى موضوع، وإن لم يمنع ذلك، وجودا فى موضوع. فإنه لا يكون شئ واحد هو رائحة ولا رائحة، ويكون شئ واحد فيه رائحة وما ليس برائحة، ولست أقول: إنه يجتمع فى شئ أن يكون فيه رائحة وليست فيه رائحة، فإن هذين لا يجتمعان. وليس قولنا إن فيه رائحة وليس فيه رائحة، هو قولنا فيه رائحة وما ليس برائحة؛ ولا يقال إنه رائحة. فإذن تقابل: أن فيه رائحة وليس فيه رائحة، هو من القسم الأول الذى على سبيل الحمل؛ فلذلك يحمل على التفاحة أن فيها رائحة، فيقال إن التفاحة فيها رائحة، ولا تحمل رائحة على التفاحة، حتى يقال، إن التفاحة رائحة، فلذلك هى موجودة " فى " ، لا محمولة " على " .

فجميع الأشياء المتباينة الطبائع تكون متقابلة، من حيث إن كل واحد منها ليس هو الآخر. وهذا هو تقابل أول، ثم نقل التقابل عن اعتبار الحمل على موضوع إلى اعتبار الوجود فى الموضوع. فجعلت حال الأمور التى تشترك فى عام أو خاص، تكون موجودة فيه بالقوة معا، ولا تجتمعان بالفعل معا، تقابلا. فبعضه يختص بالقول، من حيث هو حكم، كالإيجاب والسلب، الذى موضوعها المحمولات والموضوعات تتعاقب فيه ولا تجتمع معا، وهذا بحكم القول. وليس فى الوجود حمل ولا وضع. وبعضه يكون من خارج، فمن ذلك ما تكون الشركة فيه عام، ومنه ما تكون الشركه فيه خاص معين، ويكون المشترك فيه طبيعة هى بالقوة كلا الأمرين، لكن لا يجتمعان فيه بل يتعاقبان عليه.

فالمتقابلات تقال على هذه التى بعد الباب الأول، بمعنى أنها معان اشتركت فى موضوع لها أن توجد فيه، إلا أنها لا تجتمع فيه، فيكون معنى هذا التقابل كالجنس لأقسام له كالأنواع، إما أقسام محققة، وإما أقسام بحسب ما يصلح للمبتدئ، وتكون أسهل على متعلم قاطيغورياس.

Page 138