al-Kawn wa-al-fasad min Kitab al-Sifaʾ
الكون والفساد من كتاب الشفاء
Genres
والذى عندى فى هذا أنه إن كان يتفق أن يعود تشكل واحد بعينه، كما هو، فستعود الأمور إلى مثل حالها. لكن السبيل إلى إثبات عود الشكل الواحد مما لا يمكن بوجه من الوجوه. وذلك أنه إنما يمكن أن تقع للأمور المختلفة عودات جامعة، إذا كانت نسبة العودات الخاصة بعضها إلى بعض نسبة عدد إلى عدد فكانت مشتركة فى واحد يعدها، فيوجد حينئذ لجميعها عدد يعدها؛ مثلا أن تكون إحدى العودات عددها خمسة والآخر سبعة والثالث عشرة تشترك فى الواحدة، فيكون عدد السبعين عودا مشتركا يعده هذه الأعداد .فيكون إذا عاد صاحب الخمسة أربع عشرة عودة، أو صاحب السبعة عشرة، وصاحب العشرة سبعا، اجتمع الجميع معا. ثم جعل يعود فى المدد المتساوية أشكال متشابهة، لما سلف، وإن تكن نسبة مدد العودات نسبة عدد إلى عدد- وذلك جائز لأن المدد متصلة، لا منفصلة .ولا يستحيل أن يكون المتصل مباينا للمتصل، كان مستقيما أو مستديرا - فلا تكون نسبته إليه نسبة عدد إلى عدد. فقد صح وجودها هذا فى المقادير، فيصح فى الحركات والأزمنة لا محالة. واستحال وجود شىء جامع تشترك فيه؛ إذ قد ثبت فى صناعة الهندسة أن المقادير التى تشارك مقدارا فهى مشتركة، والمتباينات غير مشتركة، فلا تشارك مقدارا واحدا، فلا يوجد لها مقدارا مشترك يعد جميعها. وإذا لم يوجد استحال عود التشكل بعينه.
فإن كانت الحركة الأولى، ثم حركة الثوابت، ثم حركات الأوجات والجوزهرات، ثم حركة السيارات، تتشارك مدد عوداتها الخاصية فى واحد يعدها، فستكون الإعادة المدعاة واجبة.
وإن كان كلها، أو واحد منها، غير مشارك لم يكن ذلك.
لكن طريق إحاطتنا بهذه الأمور هو الرصد، والرصد هو على التقريب بأجزاء الآلات المقسومة. ومثل هذا التقريب لا يحصل التقدير الحقيقى. وحساب الأوتار والقسى وما يبنى عليها أيضا مستعمل فيها الجذور الصم. وقد سومح فى أجزائها مجرى المنطقيات والتفاوت بين المنطق والأصم مما لا يضبطه الحس، فكيف يحققه الرصد. فإذن لا سبيل إلى إدراك ذلك من جهة الرصد والحساب المبنى عليه. وليس عندنا فيه سبيل غيره.
وأما تقسيم العلماء الزمان بالشهور وألايام والساعات وأجزائها، وتقسيمهم الحركة بإزائها، وايقاعهم بينهما نسبة عددية، فذلك على جهة التقريب، مع علمهم بأنه غير ضرورى، إلا أنه مما لا يظهر تفاوته فى المدد المتقاربة. لكنه، وان لم يظهر فى المدد المتقاربة، فيشبه أن يظهر فى المدد المتباعدة.
Page 198