وأما القائلون بالهواء فقد دعاهم إلى ذلك مثل ما دعا القائلين بالماء إلى القول به. وقالوا إن معنى الرطوبة أثبت فى الهواء منه فى الماء، وذلك لأن مطاوعته للمعنى المذكور أشد. وما الماء إلا هواء متكاثف، والمتكاثف أقرب إلى اليبس منه إلى التخلخل. وأما الأرض فهى ما عرض له التكاثف الشديد، كما نراه من انعقاد كثير من المياه السائلة حجارة. وأما النار فليست إلا هواء اشتدت به الحرارة، فرام سموا.
وأما القائلون بالبخار فدعاهم إلى ذلك أنهم رأوا جرما نسبته إلى العناصر نسبة الوسط، وأنه تفضى به درجة من التخلخل إلى الهوائية، ودرجة أخرى إلى النارية، ثم تفضى به درجة من التكاثف إلى المائية، ودرجة أخرى إلى الأرضية، وأنه ليست هذه الخاصية لغيره، وأن الذى تتساوى نسبته إلى غيره لا غير. وهؤلاء كلهم فقد اشتركوا فى حجة واحدة هى التى ذكرناها.
وأما القائلون بالأرض والنار فدعاهم إلى ذلك أن سائر الأسطقسات تستحيل آخر الأمر إلى هذين الطرفين، والطرفان لا يستحيلان إلى اسطقسات أخرى خارجة عنهما. فهما اللذان ينحل سائرهما إليهما، ولا ينحلان إلى شىء آخر. فهما الأسطقسان. ولذلك هما البالغان فى طبيعة الخفة والثقل، والآخران يقصران عنهما. وإذا لا حركة أسطقسية إلا اثنتان فالأغلب فى الاثنين هو الأسطقس. والنار والأرض بالقياس إلى غيرهما أغلبان، ولا شىء أغلب معها. ثم الهواء نار خامدة مفترة مثقلة بالماء المتبخر، والماء أرض متحللة سيالة خالطتها نارية، فهى أخف من الأرض.
Page 88