للطرفين معا في الذهن، فإنه إذا أحضرت في الذهن صورة المتقدم وصورة المتأخر عقلت في النفس هذه المقايسة واقعة بين موجودين فيه، إذ كانت هذه المقايسة بين موجودين في العقل. وأما قبل ذلك فلا يكون الشيء في نفسه متقدما، فكيف يتقدم على لا شيء موجود؟ فما كان من المضافات على هذه السبل فإنما تضايفها في العقل وحده، وليس في الوجود لها معنى قائم من حيث هذا التقدم والتاخر، بل هذا التقدم والتأخر بالحقيقة معنى من المعاني العقلية ومن المناسبات التي يفرضها العقل والاعتبارات التي تحصل للأشياء إذا قايس بينها العقل وأشار إليها. المقالة الرابعة
وفيها ثلاثة فصول.
الفصل الأول (أ) فصل في المتقدم والمتأخر وفي الحدوث.
لما تكلمنا عن الأمور التي تقع من الوجود والوحدة موقع الأنواع، فبالحري أن نتكلم في الأشياء التي تقع منهما موقع الخواص والعوارض اللازمة، ونبدأ أولا بالتي تكون للوجود ومنها بالتقدم والتأخر. فنقول: إن التقدم والتأخر وإن كان مقولا على وجوه كثيرة فإنها تكاد أن تجتمع على سبيل التشكيك في شيء، وهو أن يكون للمتقدم، من حيث هو متقدم، شيء ليس للمتأخر، ويكون لا شيء للمتأخر إلا وهو موجود للمتقدم. والمشهور عند الجمهور هو المتقدم في المكان والزمان. وكان التقدم والقبل في أشياء لها ترتيب، فما هو في المكان فهو الذي أقرب من ابتداء محدود، فيكون له أن يلي ذلك المبدأ حيث ليس يلي ما هو بعده، والذي بعده يلي ذلك المبدأ وقد وليه هو. وفي الزمان كذلك أيضا بالنسبة إلى الآن الحاضر أو أن يفرض مبدأ وإن كان مبدأ مختلفا في الماضي والمستقبل ما تعلم. ثم نقل اسم القبل والبعد من ذلك إلى كل ما هو أقرب من مبدأ محدود. وقد يكون هذا التقدم المرتبي في أمور بالطبع، كما أن الجسم قبل الحيوان بالقياس إلى الجواهر ووضع الجوهر مبدأ، ثم إن جعل المبدأ الشخص اختلف، وكذلك الأقرب من المحرك الأول، كالصبي يكون قبل الرجل. وقد يكون في أمور لا من الطبع، بل إما بصناعة كنغم الموسيقى، فإنك إن أخذت من الحدة كان المتقدم غير الذي يكون إذا أخذت من الثقل؛ وإما ببحث واتفاق كيف كان.
Page 81