Shifa Calil
شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل
Investigator
-
Publisher
دار المعرفة،بيروت
Edition Number
١٣٩٨هـ/١٩٧٨م
Publisher Location
لبنان
Genres
Creeds and Sects
شيئا فإنه لا يغيره بعد هذا ولا يتصرف فيه بخلاف ما قدره وعلمه والطائفتان حجرت على من لا يدخل تحت حجر أحد أصلا وجميع خلقه تحت حجره شرعا وقدرا وهذه المسألة من أكبر مسائل القدر وسيمر بك إن شاء الله في باب المحو والإثبات ما يشفيك فيها والمقصود انه مع الطبع والختم والقفل لو تعرض العبد أمكنه فك ذلك الختم والطابع وفتح ذلك القفل يفتحه من بيده مفاتيح كل شيء وأسباب الفتح مقدورة للعبد غير ممتنعة عليه وإن كان فك الختم وفتح القفل غير مقدور له كما أن شرب الدواء مقدور له وزوال العلة وحصول العافية غير مقدور فإذا استحكم به المرض وصار صفة لازمة له لم يكن له عذر في تعاطي ما إليه من أسباب الشفاء وإن كان غير مقدور له ولكن لما ألف العلة وساكنها ولم يحب زوالها ولا آثر ضدها عليها مع معرفته بما بينها وبين ضدها من التفاوت فقد سد على نفسه باب الشفاء بالكلية والله سبحانه يهدي عبده إذا كان ضالا وهو يحسب أنه على هدى فإذا تبين له الهدى لم يعدل عنه لمحبته وملاءمته لنفسه فإذا عرف الهدى فلم يحبه ولم يرض به وآثر عليه الضلال مع تكرار تعريفه منفعة هذا وخيره ومضرة هذا وشره فقد سد على نفسه باب الهدى بالكلية فلو أنه في هذه الحال تعرض وافتقر إلى من بيده هداه وعلم أنه ليس إليه هدى نفسه وأنه إن لم يهده الله فهو ضال وسأل الله أن يقبل بقلبه وأن يقيه شر نفسه وفقه وهداه بل لو علم الله منه كراهية لما هو عليه من الضلال وأنه مرض قاتل إن لم يشفه منه أهلكه لكانت كراهته وبغضه إياه مع كونه مبتلى به من أسباب الشفاء والهداية ولكن من أعظم أسباب الشقاء والضلال محبته له ورضاه به وكراهته الهدى والحق فلو أن المطبوع على قلبه المختوم عليه كره ذلك ورغب إلى الله في فك ذلك عنه وفعل مقدوره لكان هداه أقرب شيء إليه ولكن إذا استحكم الطبع والختم حال بينه وبين كراهة ذلك وسؤال الرب فكه وفتح قلبه.
فصل: فإن قيل فإذا جوزتم أن يكون الطبع والختم والقفل عقوبة وجزاء على الجرايم والإعراض والكفر السابق على فعل الجرائم، قيل هذا موضع يغلط فيه أكثر الناس ويظنون بالله سبحانه خلاف موجب أسمائه وصفاته والقرآن من أوله إلى آخره إنما يدل على أن الطبع والختم والغشاوة لم يفعلها الرب سبحانه بعبده من أول وهلة حين أمره بالإيمان أو بينه له وإنما فعله بعد تكرار الدعوة منه سبحانه والتأكيد في البيان والإرشاد وتكرار الإعراض منهم والمبالغة في الكفر والعناد فحينئذ يطبع على قلوبهم ويختم عليها فلا تقبل الهدى بعد ذلك والإعراض والكفر الأول لم يكن مع ختم وطبع بل كان اختيارا فلما تكرر منهم صار طبيعة وسجية فتأمل هذا المعنى في قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ ومعلوم أن هذا ليس حكما يعم جميع الكفار بل الذين آمنوا وصدقوا الرسل كان أكثرهم كفارا قبل ذلك ولم يختم على قلوبهم وعلى أسماعهم فهذه الآيات في حق أقوام مخصوصين من الكفار فعل الله بهم ذلك عقوبة منه لهم في الدنيا بهذا النوع من العقوبة العاجلة كما عاقب بعضهم بالمسخ قردة وخنازير وبعضهم بالطمس على أعينهم فهو سبحانه يعاقب بالطمس على القلوب كما يعاقب بالطمس على الأعين وهو سبحانه قد يعاقب بالضلال عن الحق عقوبة دائمة مستمرة وقد يعاقب به إلى وقت ثم يعافي عبده ويهديه كما يعاقب بالعذاب كذلك.
1 / 91