لكنه قد يعرض أمر يبطل أحكام دلالة هذه الألوان، وربما أبطل أحكام غيرها. وذلك لأنه كثيرا ما يتفق أن يكون دواء قوى القوة، مع قلة المقدار، كما تعرفه. فإذا خلط يسيره بكثير من الأدوية التى ليست شديدة القوة جدا كان الغالب، بحسب الرؤية، غير الغالب بحسب القوة. فإن الغالب بحب الرؤية غير الغالب بحسب القوة. ثم يكون الفعل للمغلوب فى الرؤية، دون الغالب فى الرؤية، ويكون طابع الغالب فى الرؤية، فى ذاته، باقيا على ما كان قديما. وإن كان هذا مما يجوز أن يقع بالصناعة، كذلك قد يجوز أن يكون بعض الأجسام فى الطبع مركبا من أجسام مركبة أيضا، ويكون المغلوب فيها قوى القوة قليل المقدار، ومضادا بالطبع للغالب المقدار الضعيف القوة. فيكون الظاهر عند الحس هو كيفية الغالب فى الرؤية، ويكون الظاهر فى القوة كيفية المغلوب فى الرؤية؛ مثلا أن يكون الجسم مركبا فى الطبيعة، على نحو تركيبك بالصناعة، لو ركبت وزن نصف درهم فربيون مع رطل من الماست، فلا يحس هناك للفربيون لون ولا طعم، ويكون لون الماست وطعمه ظاهرين. لكنك إذا استعملت هذا المركب ظهر للفربيون فيه فعل ظاهر من التسخين.فلا يكون حينئذ الأبيض الرطب هو المسخن، ولكن الذى خالطه. فلا يكون ما قيل من أن الأبيض الرطب باردة قولا كاذبا؛ لأن ههنا أيضا الأبيض الرطب بارد، ولكن الذى يسخن هو شىء آخر.
وإذا وقع فى الخلقة الطبيعية مثل هذه الحال لم تصح دلالات هذه الكيفيات على الكييفيات الأولى فى جملة المركبات، وإن كانت الكيفية منها تلزم قوة كيفية منها فى المزاج؛ إذ ذلك التركيب لا يفصله الحس. فإن من الأجسام المركبة ما تركيبه من العناصر أول، والحس يراه متشابه الأجزاء. فقد جعله المزاج شيئا واحدا على الوجه الذى قلنا إن للمزاج أن يفعله. ومن الأجسام ما تركيبه بعد تركيب أول، كالذهب على رأي قوم يرون أنه دائما يخلق من زئبق قد تولد أولا بمزاج متقدم وكبريت حاله هذه الحالة، ثم عرض لهما مزاج، وكالإنسان من الأخلاط، وهذا على قسمين:
قسم منه ما يكون الامتزاج الثاني حاله فى تأحيد الممتزج حال الامتزاج الأول. ومما له ذلك الترياق والمعجونات المخمرة.
ومنه ما ليس كذلك، فإنه مركب من أجزاء حقها أن لا تتحد فى الطبع كشىء واحد؛ بل أن تكون مختلفة متباينة. فأكثر الجمادات والمعدنيات بالصفة الأولى؛ وأكثر النبات والحيوان، من جهة تركيبه من أعضائه، بل جلها، على الصفة الثانية.
Page 266