على أن كثيرا من الأعراض يعرض أيضا بسبب مخالطة غير مزاجية. فإن كل جسم شاف، إذا خالطه الهواء فصار أجزاء صغار، أبيض، كالماء إذا صار زبدا، أو كالزجاج إذا دق، وغير ذلك. ويكون ذلك لأن النور الذى ينفذ فيه يقع على سطوح كثيرة صغار لا ترى أفرادها وترى مجتمعة، فيتصل رؤية شىء منير باطنه لنفوذ الضوء فى المشف إلى السطوح الباطنة، وانعكاسه عنها مستقرا عليها، ولا ينفذ البصر فيها لكثرة ما ينعكس عنها من الضوء. فإن المشف الذى يشف، وينعكس عنه الضوء جميعا، لا يشف حين ينعكس الضوء عنه. فإذا صار لا يشف رؤى ذا لون. ويكون هو البياض. وكذلك الشىء اليابس إذا عملت فيه النار عملا كثيرا وأخرجت عن منافذه الرطوبة وأودعته الهوائية، بيضته.
وأما أنه هل يكون بياض غير هذا، وفى جسم متصل، فمما لم أعلم بعد امتناعه ووجوده. وسيأتي لي كلام فى هذا المعنى أشد استقصاء.
وأما فى الطعوم والروائح فليس الأمر فيها على هذه الجملة. وذلك لأنه ليس فيها شىء مذوق أو مشموم بذاته ينفذ فى الأجسام، فيجعلها بحال من الطعم والرائحة، كما أن الضوء شىء مرئي بذاته. فإذا خالط الأجسام جاز أن يجعلها على حال من الرؤية.
فههنا يفترق حال اللون وحال الطعم والرائحة؛ إذ اللون يصير مرئيا؛ بمرئي بذاته هو غيره، وهو الضوء. وليس الطعم والرائحة كذلك. وكما أن المرئي بذاته، وهو الضوء، على ما نحقق الأمر فيه من بعد، هو كيفية حقيقية، كذلك الطعم والرائحة.
Page 257