وقوم يرون أن المزاج، الذى كيفيته متوسطة حدا من المتوسط، إذا كان حده بحال ما كان لونا وطعما، وإن كان بحال أخرى كان لونا وطعما آخر؛ وأنه ليس الطعم واللون، وسائر الأمور التى تجري مجراها، شيئا والمزاج شيئا آخر؛ بل كان واحد منها مزاج خاص يفعل فى اللمس شيئا، وفى البصر شيئا.
وقال قوم آخرون إنه ليس الأمر على أحد هذه الوجوه؛ بل المزاج، على التقدير الذى يتفق له، أمر يهيء المادة لقبول صورة وكيفية مخصوصة. فما كان قبوله ذلك إنما هو من علل فاعلة لا تحتاج إلى أن يكون لها وضع محدود قبله مع استكمال الاستعداد، مثل النفس والحياة وغير ذلك. وما كان قبوله ذلك إنما هو من علل محتاجة إلى وضع محدود قبله إذا صار له مع غلية الوضع، كنضج التين مثلا من الشمس إذا أشرقت عليه. فهذه هي المذاهب التى يعتد بها فى هذا الباب.
فأما المذهب المبنى على الأجرام التى لا تتجزأ، وعلى أن سبب حدوث الكيفيات اختلاف أحوالها، بحسب اختلاف الترتيب والوضع الذى يعرض لها، فما قدمناه يغني عن إعادتنا قولا كثيرا فى رده؛ بل نحن نعلم أن هذه الأجسام متصلة، وأن الأسود منها أسود، كيف كان شكله ووضعه، والأبيض أبيض كيف كان وضعه.
وكذلك قولنا فى الطعوم والروائح، وإن ذلك لا يختلف بحسب وضع وترتيب، وإنه لولا خاصية لكل واحد من الأجسام المختلفة لاستحال أن تتخيل منها الحواس تخيلات مختلفة، أو تنفعل انفعالات مختلفة.
Page 253