أما فيما سبيله أن ينضج على القسم الأول لضعف الحرارة الغريزية، وقوة الحرارة الغريبة، فإن الحرارة الغريزية لو كانت قوية لكانت تحسن إحالة الرطوبة أو حفظهما. ولو لم تكن حرارة غريبة لما كان هذا يستحيل إلى كيفية حارة ردية؛ بل يبقى فجا، ولهذا ما يكون الميت أسرع إلى التعفن بالحرارة الغريبة من الحى بكثير، والساكن من المتحرك، واللحم البنى من المطبوخ، وأبرد الجنسين من اسخنهما؛ فإن السخين الحار لا يقبل من العفونة ما يقبله مضاده؛ مثل ماء البحر ومياه الحمامات فإنها أقل عفونة من مياه الآجام. وجميع ذلك إنما يصير أسرع تعفنا لأن حرارته الغريزية تبطل، وقد يبطئ التعفن إذا لم تكن حرارة غريبة، وإن بطلت الحرارة الغريزية، لأن عدم الحرارة الغريزية لا يكفى فى ذلك. وإذا أردنا أن تحفظ العصير من أن يعفن وينتن فإنا نجعل فيه الخردل أو قثاء الكبر، فإن ذلك يورثه تسخينا غريزيا، أو يقوى حرارته الغريزية، فيقاوم بها الحار الفاعل فيه.
فكأن الرطوبة الغريزية تتداول تدبيرها حرارة غريزية وحرارة غريبة، وتكون اليد للغالب منها. فإن استولت عليه الحرارة الغريزية وجهت التدبير إلى الجهة الموافقة للغاية المقصودة، وإن استولت عليه الحرارة الغريبة انصرف التدبير عن الجهة الموافقة؛ بل صارت الرطوبة ذات كيفية غريبة غير ملائمة للنوع، ولأنها ليست موجودة فى شىء آخر حتى تصير ملائمة له؛وتكون تلك الحرارة حرارة منافية للوجود، كما الغذاء إذا انهضم عن حرارة غريبة لشىء آخر، فإنها تبقى معطلة عن موافقة الوجود.
Page 225