أرادوا يقولو عنا، في سر مخفي عظيم
إنا هراطقة قد كنا، منذ الزمان القديم
جاوب الراهب حنا، عاد كل عالم بكيم
العقل منهم تحير، غاب الصواب والبصر
فمن سماع نموذج من هذا الزجل ندرك أمرين: أولا، إن هذا الزجل، أو الشعر العامي - سمه كما تريد - قديم العهد جدا في لبنان . وإنه وإن خلا من الصور الشعرية، فهو يدل على شاعرية ابن الجبل الملهم، ومن هذا الزجل القديم تولد شعر باللغة الفصحى، أرقى من الزجل قليلا. وظل يتمشى في التاريخ رويدا رويدا، حتى استقامت لغته للمطران فرحات ولكهنة ورهبان آخرين، ثم خطا مع نقولا الترك وبطرس كرامة شاعري المير، وظل يتطور حتى أوشك أن يبلغ قمة الشعر العربي بصوره الرائعة وموسيقاه الساحرة.
أما الزجل فما قصر، ولا توانى في الطريق، ارتقى بعد ثلاثة عصور مع القس حنانيا المنير، فنحا منحى الشعر في خياله وصوره، كما نرى من قصيدة «البرغوث» الرائعة. فهذا الراهب الشاعر قاسى من قرص البراغيث ما قاسى يوم لم يكن «د.د.ت» لمكافحتها، فقال يصف إحدى المعارك الليلية مع البرغوث بحوار طريف ظريف، فخلد زجله ومات شعره، قال:
بعد بيوت مع قصدان
تا خبركم بللي كان
طول الليل وأنا سهران
وصبح جلدي كالجربان
Unknown page