دعوة إلى طالب الجنة
ثم يدعو ابن القيم إلى المسابقة إلى طلب الجنة وأنتم أيها الأحبة تعلمون حديث النبي ﷺ: (في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) وإن مما يطيب نفس المؤمن والمؤمنة، والرجل والمرأة، والذكر والأنثى؛ أن الجميع الذين يطمعون بالجنة بإذن الله، سيجدون نعيمًا ولذة عظيمة تنسي كل ملذات هذه الدنيا، وتنسي شقاء الدنيا أيضًا كما في الحديث: (يؤتى بأشد أهل الدنيا بؤسًا فيغمس في الجنة غمسة واحدة فيقول الله: يا عبدي هل مر بلك بؤسٌ قط؟ فيقول: لا يا رب ما مر بي بؤسٌ قط) فينادي ابن القيم الخاطبين الراغبين في الجنات:
يا خاطب الحور الحسان وطالبًا لوصالهن بجنة الحيوان
لو كنت تدري من خطبت ومن طلبت بذلت ما تحوي من الأثمان
أو كنت تدري أين مسكنها جعلت السعي منك لها على الأجفان
ولقد وصفت طريق مسكنها فإن رمت الوصال فلا تكن بالواني
أسرع وحث السير جهدك إنما مسراك هذا ساعة لزمان
فاعشق وحدث بالوصال النفس وابذل مهرها ما دمت ذا إمكان
واجعل صيامك قبل لقياها ويو م الوصل يوم الفطر من رمضان
ونحن بحلول شهر رمضان أو بقرب حلول شهر رمضان ينبغي أن نستعد بأن نبني أعمالًا صالحة على توبة صادقة؛ فإن الذي يبني أعمالًا مخلطة أو أعمالًا على ذنوبٍ ومعاصٍ، كمن يبني دارًا على شفا جرف هار فيوشك أن ينهار، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
لا يلهينك منزلٌ لعبت به أيدي البلى مذ سالف الأزمان
فلقد ترحل عنه كل مسرة وتبدلت بالهم والأحزان
سجن يضيق بصاحب الإيمان لكن جنة المأوى لذي الكفران
سكانها أهل الجهالة والبطـ ـالة والسفاهة أنجس السكان
أي: المشغولين بحطام الدنيا المعرضين عن أمر الله.
والله لو شاهدت هاتيك الصدو ر رأيتها كمراجل النيران
ووقودها الشهوات والحسرات والـ آلام لا تخبو مدى الأزمان
أبدانهم أحداث هاتيك النفو س اللاء قد قبرت مع الأبدان
أرواحهم في وحشة وجسومهم في كدحها لا في رضا الرحمن
لا ترض ما اختاروه هم لنفوسهم فقد ارتضوا بالذل والحرمان
هربوا من الرق الذي خلقوا له فبلوا برق النفس والشيطان
لو ساوت الدنيا جناح بعوضة لم يسق منها الرب ذا الكفران
لكنها والله أحقر عنده من ذا الجناح القاصر الطيران
يا عاشق الدنيا تأهب للذي قد ناله العشاق كل زمان
أو ما سمعت بل رأيت مصارع الـ عشاق من شيبٍ ومن شبان
17 / 15