فسعل العجوز سعلة محترف وقال: عويس الدغل عليه اللعنة، إنها عظة كل مغفل في حارتنا، ماذا سمعت؟ - لا أهمية لذلك، أريد أن أسمعها من راوية محنك مثلك، إنها حكاية مدهشة ... - لا تدهش، عندما تبلغ من العمر ما بلغته فلن تدهش لشيء أبدا ... - حقا؟! ولكن هل ما زال الرجل حيا؟ - وهل يبقى على ظهرها إلا الأشقياء؟
وضحك فجاراه في ضحكه وهو يجد غمزا أليما في قلبه، ثم سأله: ماذا يعمل؟ - إنه في السبعين، تربية شوارع وسجون، وهو اليوم أحد ثلاثة في حارتنا يرتزقون من توزيع الكيف ... - إذن فهو في عيشة راضية؟ - لا، موزع القطاعي محدود الرزق، تكون حاله أحسن إذا قام به، بالإضافة إلى عمل آخر، ولكن عويس لم يحترف عملا شريفا في حياته، وعجز أخيرا عن السرقة!
اجتاحته رغبة في البكاء، فقاومها بعنف ساءت به حاله. وقال العجوز: إنه يعيش في بدروم في آخر ربع قبل البهو، وإن شئت أن تراه أرسلت في طلبه؟
فقال بسرعة: فلنؤجل ذلك ... - لعله نسي. - نسي؟ - غدر جندي الأعور وخيانة زوجته، ألم يحكوا لك ذلك؟ - بلى، زمالة السجن، الطلاق، والهرب بالذهب والزوجة والابن ... - عندما خرج من السجن أقسم ليقتلنهما، وجد في البحث عنهما ما وسعه ذلك، وعاش دهرا كالمجنون.
فقال يحيى بصوت منخفض كيلا يفضح تأثره: حكاية غريبة.
فقال العجوز بلهجة منتقدة: الحق عليه، لقد كانت المرأة عاهرة محترفة فتزوج منها، ماذا يتوقع من مثيلاتها؟ - آه ... حمدا للظلام، إنه يتحلل مثل جثة الميت. لم يذكر محروس شيئا عن ذلك اتقاء لغضبه غالبا. وها هو يتلقى الحقيقة كلسان من لهب. ها هو ... آه ما أفظع الألم.
وواصل الرجل العجوز حديثه منتشيا بأهميته: أين ذهب جندي الأعور والمرأة والطفل؟ لم يعلم أحد، وحتى اليوم لا يدري عنهم شيئا، ونسي عويس الدغل الحكاية كما نسيتها الحارة، ولا شك عندي أنه اليوم في السجن وربما الطفل أيضا أما المرأة فلا محيد لها من الرجوع إلى مهنتها الأصلية ...
إنه يهبط درجات من الألم أردته إلى أعماق الجحيم في معزل عن الدنيا جميعا، إنه سقيم في كون موبوء لم يبق له من الغذاء إلا السخرية. وقال العجوز: عندما قبض على عويس هرعت دليلة الفقي صاحبة الرهونات إلى المرأة، توسلت إليها أن ترد الذهب اتقاء لغضب الراهنات والراهنين، فأقسمت بأغلظ الأيمان إنها لا تدري عنه شيئا، وقصدها الفقراء أصحاب الذهب المرهون يتوسلون ويبكون، أكثرهن نسوة كادحات يشترين الذهب لوقت الحاجة ويرهنه عند الضرورة ...
فتمتم يحيى بذهول: أولئك هن صاحبات الثروة المسروقة! - دون غيرهن، وهن اليوم في هذا الغلاء لا يجدن اللقمة إلا بالعذاب، ولعلهن صدقنها في وقتها حتى ظهر جندي الأعور وهرب بها فتأكدن بأنه ما لعب لعبته إلا من أجل الذهب المسروق ...
فقال يحيى بأسى: هن وحدهن صاحبات المال الحال ... - أما عويس وجندي فلم يكونا إلا لصين وبرمجيين، وقد نال عويس جزاءه في السجن وخارجه، ولا يدري أحد إلا الظن بما حل بجندي.
Unknown page