رأى رجلا بدينا غليظ الأشداق ذا جبهة متحدية يستقر في عباءة فضفاضة، فقال بقلق: ليس من حارتنا! - بياع فراريج ومستعد لدفع الخلو. - واضح أن البيت مسكون. - ترامى إليه أن شقة ستخلو قريبا. - كيف عرف ذلك؟ - من أدراني أنا؟! - لقد اتفقت مع ساكن جديد، أتعرف الرجل؟ - عرفته في سهرة عند السمرائي ثم جر الكلام بعضه بعضا.
وذهب الشريك يخبر الرجل بنتيجة مسعاه، ومضى هو يقيسه طولا وعرضا. توقع أن يصرف النظر عن موضوعه، ولكنه قام بخفة لا تناسب بدانته وقدم نحوه فجلس وهو يقول: الطيبون للطيبات.
فجعل ينظر إليه ببلاهة فقال الرجل: محسوبك كريم البرجواني، تحت الأمر فاطلب ما تشاء.
فقال بحسم: العفو، سبق مني وعد شرف. - جميل أن يحافظ الإنسان على عهده.
تجنب سالم تشجيعه ولو بابتسامة ولكن الرجل قال: ما قيمة النقود؟ ما هي إلا عصافير!
ونهض الرجل وهو يقول: لكننا على أي حال أصبحنا صديقين.
وأتبعه عينيه وهو يمضي عن الحارة، وراح يتساءل ترى هل يعرف الكتابة؟ أهو كاتب الجملة أم إنه وحش مجهول رابض وراءه!
ودعي يوما إلى شهود ذكر ببيت جار. فراعه أن يرى كريم البرجواني جالسا بين المدعوين. ماذا أقحمه على الحارة بهذه القوة. ورآه وهو ينضم إلى حلقة الذكر فيغوص في موجاتها المتلاطمة الراقصة ويسبح حتى بح صوته، ثم تهاوى في الختام فوق الحصيرة فاقد الوعي مثل ثور ذبيح. قال لنفسه إن خوفه من هذا الرجل غباء مطلق، فما هو من قريته، ولا هو من الصعاليك الذين يؤجرون للقتل. ولكن الرسالة نذير جاد وخطير، ليست دعاية مازح! •••
وعندما كان مدعوا للعشاء على مائدة حميه قال له الشيخ: رجل يريد الشقة التي ستخلو أول الشهر. - من يا مولاي؟ - يدعى كريم البرجواني. - فارتعد سالم وسأل حماه: تعرفه؟ - كلا ... استشفع بي دون معرفة سابقة. - سبق أن رفضت طلبه. - لم؟ - منظره لا يوحي بالثقة! - أنت وشأنك ولكني وجدته شهما وطيبا!
الرجل يتعقبه. إنه يريده هو لا الشقة، ولكن لم حذره بالرسالة؟ أيوجد وراءه مطارده القديم؟! كلا. ما الأمر إلا دعابة. له منافسون وكارهون، فالحياة لا تخلو من ذلك أبدا. أحدهم يبغي إزعاجه أو السخرية من أحمق. أراد أن يلقي نظرة جديدة على الرسالة ولكنه لم يجدها في جيبه الداخلي، فتش عنها في مظانها جميعا ولكنه لم يعثر لها على أثر. ذهب إلى الكواء وفتش جيوب البدلة يظن أنه نسيها فيها ولكنه لم يعثر لها على أثر. أين اختفت؟ هل امتدت لها يد خفية؟ وتحرى الأمر مع عظيمة زوجته ولكنها قالت: لم يطرق ساعي البريد بابنا قط.
Unknown page