فقال مجاهدا غيوم القلق: لكن نتيجتها ستطبق على الحارة! - صدقني يا شطا، لم لم أقدم على المهمة رغم أنني أجدر الرجال بها؟! حدثني قلبي بأنه يهيئ للعبث مقلبا!
هز شطا رأسه نفيا واحتجاجا، فقال طباع الديك: ثم إنه لا يتأثر بالعواطف، وهو قوي كما نعلم جميعا، فمن ذا يضمن وفاءه؟ بل هبك هلكت - لا سمح الله - فلم يعن أمك، فمن ذا يحاسبه؟!
لزم شطا الصمت بنظرة رافضة، فنهض طباع الديك قائلا: الله معك!
فقال شطا: هيهات أن تتزعزع ثقتي به.
وأتبعه ناظريه وهو يلعنه.
5
الوساوس والهواجس تخامره. طباع الديك لا يذكر العبث بلا دليل. أجل إنه مغرض وحاقد وخائف، ولكنه لا يهذي. على ذلك فهو يصر على جدية معلمه. رغم غرابة ما كلف به. رغم الغموض المتعمد من الآخر. رباه! ما العمل لو كان يعبث به حقا؟! ما العمل لو تبدد الجهد نظير لا شيء؟ ما العمل لو تناثرت قوائم حياته فيما يشبه المزاح؟!
وهو يحاور نفسه طالعه فجأة وجه يمرق من الملاءة السوداء كالضوء. وجه نفاذ الحلاوة بهيج الأثر. ما تمالك أن قال لنفسه وهو ينتفض بانتعاش غامر: «لعلها هي!» في الحال تناسى وساوسه وهواجسه وحل بقلبه الظفر. لعله رآها قبل ذلك ولكنها عبرت في غفلته بلا أثر. سرعان ما تبعها عن بعد على إيقاع تموجاتها الراقصة، حتى عطفة البرادة وحتى غيابها في عمارة ريحان المتهالكة. هي هي ضالته المنشودة، فمن تكون؟ عليه أن يجمع المعلومات الكافية. الناجح من يحافظ على السر ويجمع المعلومات الوافية. أفعم قلبه بالإلهام والثقة. وحلم بالمكانة الرفيعة الثانية. ودعا الله أن يتم المهمة دون مساس بكرامته. ومن حظه السعيد لاحت في النافذة، لمحها ولمحته أيضا بنظرة خاطفة. في العطفة كواء بلدي وبياع طعمية ولكنه تجنب سؤال الأنفس المتطفلة. استدرج غلاما يلعب، فسأله: يا شاطر، من يسكن في الدور الثاني؟
فأجاب الولد: عم طناحي بياع الطعمية.
آه! ثمة شبه بين الكهل والبنت الفاتنة. رجع إلى بيته مستوصيا بالحذر. ورغم ما بينه وبين أمه من جفاء سألها: هل تعرفين أسرة عم طناحي بياع الطعمية؟
Unknown page