105

Shaytan Yaciz

الشيطان يعظ

Genres

فتمتمت ساخرة: رغم أنك وريث دخل يربو على الخمسمائة الجنيه شهريا؟! - اقتنعت تماما، ووجدت في تجاوزه طبقتي ما يشرفني أكثر ...

تزايد الاهتمام في نظرة عينيها الذابلتين، فواصل: اجتاحني الحماس للماركسية كما اجتاحني من قبل للإلحاد والديمقراطية، وإذن فأنا مريض بالاهتمام لا بعدم الاهتمام ...

فقالت بمرارة: ولكنك تتغير بسرعة مذهلة!

يا له من حكم صادق! فطن إليه بنقده المرهف للذات. سرعان ما يقع تحت سيطرة الصديق أو الكتاب. إنه ضعف ملموس محسوس طالما حمل أباه تبعته. هو الذي طبعه بسرعة الانقياد. هو الذي جعل من ذكائه أداة سلبية في خدمة التلقي وبلا طاقة على التمحيص والنقد. وقال بامتعاض: إنه الشباب والحماس ورد الفعل لخضوع طويل للأب ...

فتساءلت بقلق: ماذا حدث بعد ذلك؟ - لقد اعتقلت، وتلقيت إهانات لا تمحى ولكن ثبت عدم تورطي في أي عمل غير مشروع، فأفرج عني بخلاف عبد الباري الذي اعتقل طويلا كما تذكرين حتى اشتهر أمره في الحي ... - ثم؟ - زلزلني الاعتقال والإهانة، أكان ذلك ما كفرني بالماركسية؟ الذكرى غائمة، أما ما أذكره بوضوح فهو أنني عثرت على كتب الوجودية بلا مرشد، ولكن الكتاب كان وحده كافيا للإلقاء بي في عبث الوجود واللامعنى!

فقالت بحزن: ما أجدر رحلة تبدأ بالإلحاد أن تنتهي بالعبث ... - صدقت! - إنك قطعت في أعوام ما قطعته البشرية الضالة في عمرها كله! - صدقت أيضا ... - ثم؟

حسبه ما نفس به عن صدره وعليه الآن أن يرجع إلى التمثيل، قال: رجعت إلى الإيمان والحمد لله ... - أكان وهدان المتجلي وراء ذلك؟ - القراءة أكثر، والعناية الإلهية قبل كل شيء ...

فقالت بجدية ملفتة للنظر: من حسن الحظ أنك تزوجتني وأنت مؤمن وإلا لورطتني في علاقة غير شرعية!

يا للداهية. إنها تعني ما تقول. وتتصور العلاقات على ضوء واضح صارم حاد النصل. وأزعجه جدا أن تكون علاقته بها في الحقيقة - من وجهة نظرها على الأقل - غير شرعية. وما تمالك أن قال: يوجد ملحدون معروفون وهم في الوقت نفسه أرباب أسر!

فقالت بقوة: ما هي إلا زيجات باطلة لا يبقى عليها إلا داء التهاون المنتشر ...

Unknown page