Shaytan Bantaur
شيطان بنتاءور: أو لبد لقمان وهدهد سليمان
Genres
قال: ليس لها إلا ما تسترد، وشيمتها أن تسترد النعم حتى تحولها إلى نقم، تعطي القصور عالية، وتأخذها أطلالا بالية.
قلت: ونحن نتقدم إليها الآن يا مولاي؟
قال: ادخل عليها هذا الأثر، وأنا على الأثر؛ وتدلل عليها في الخطاب، ولا تخشها؛ إنها في سجن ابن الخطاب.
قال الهدهد: فتقدمت وحدي حتى جئت بابا صغيرا، فلم أطرقه بل عالجته، فانفتح من نفسه، فإذا أنا لدى عجوز أكل الدهر لحمها، وأدق عظمها، وجمع كالقوس جسمها، وشيب كل شعرة في بدنها، حتى شعرات في أذنها، وهي تنوء بسلاسل الحديد، وترزح في أسر شديد؛ فضحكت من منظرها وبادأتها بالخطاب، فقلت : أيتها الأمة المضطهدة، والعجوز المقيدة، كيف حالك وعمر، لقد انتقم منك للزمر، ونهى عليك بعد النبي وأمر؛ لئن حبسك فطالما حبست رزق الرجل الفاضل، وقيدت نفس الحر العاقل، وملكت الناقص رزق الكامل.
فاستضحكت العجوز ثم قالت: من هذا الذي شمت بجدة الناس، وأم الكل في الأجناس، إلا اثنين: ابن الخطاب صاحب هذا الأمر، وابن عبد العزيز، عذر بني أمية لو قام لهم عذر؟
قلت: ولا ناس إلا من ذكرت، ولا أناسي إلا من سميت!
قالت: لا يغرنك أيها الفتى أن الذل شعاري، وأني عاجزة عن فك إساري؛ فوالذي سلطني على عباده ليبلوهم أيهم أصدق عزما، وأجمل صبرا، وأقصد إليه سرا وجهرا، ما ملك عمر إلا الظواهر، ولي التسلط على السرائر، والسيطرة على الضمائر؛ وليس هذا الذي ترى في ملك ابن الخطاب من زهد في، وتجن علي، وإساءة إلي إلا غاية وتنقضي، وحال من أكره لا من رضي؛ عمال في مداراة الخليفة، يوجسون منه خيفة؛ ورجال يلبسون لكل دولة لبوسها، يأخذون نعيمها ويذرون بوسها؛ زهاد في دولة الزاهد، شياطين في زمان الفاسد.
وبينما نحن في الكلام، دخل النسر فوقف بين المهابة للعجوز والإكبار؛ ثم خاطبها فقال: أيتها الحاكمة في البشر، من غبر منهم ومن حضر، والآتي منهم والمنتظر، ما لقيت من عمر، في ظلمات هذا الأسر؟
قالت: أضيق الأمر، وأعظم الأسر؛ لكنها حال تحول، ونازلة عما قريب تزول، ثم أفتك في هذه الأمة فتكا، وأصير هذا الأمر ملكا، تقتتل عليه القبائل، وتتلاعن من أجله البطون، وتتفانى في طلبه الشعوب؛ ولا أزال كذلك حتى أشقى مرة أخرى في زمن ابن عبد العزيز، ثم يخلو لي الجو إلى الأبد، وأحكم في المسلمين على الأمد.
قال: بحق عمر عليك إلا ما وصفت لي الأربعة الخلفاء.
Unknown page