بعد أيام قليلة كان رشدي في طريقه إلى مستشفى الأمراض العقلية، وكانت إنعام عند الأستاذ عليوة تطلب الطلاق، وقبل عليوة القضية في طبيعة مواتية، فالأمور في ظاهرها طبيعية، الزوجة في عنفوان الشباب والزوج في سراي العباسية والقانون يبيح لها طلب الطلاق، وما هو إلا قليل من الحين حتى كانت إنعام مطلقة تمارس تجارتها بلا خوف ولا حذر، والمورد العذب كثير الزحام.
الفصل السادس
الآمال الباسمة، والأحلام الوردية، والرؤى والجمال، وأيام الشباب المزهرة بالخيال، الرحيبة بالثقة، المفسحة للمستقبل أبوابا من الجنة وسبلا من المجد وطرقا من الرفاهية وخمائل من الهناء أيام كانت اللذة الحالمة أحلى من اللذة الماثلة، وكانت النظرة إلى الأيام المحجبة في ظلال المستقبل تحيل الحاضر القاسي المرير فردوسا أخضر الجوانب مخضل النبت مزدهر المرأى بأنواع من الأزاهير ملتهبة الألوان، تسكب في القلب الدفء والسرور المفعم باليقين، والاطمئنان المضمخ بأريج العزة والجاه.
هذه الآمال التي كنا نعلقها بالأيام القابلة من حياتنا، ونحن نعلم أن الأيام ستجعل من هذه الآمال حقيقة، علمنا بأن هذه الأيام قادمة مع المستقبل، حلوة هذه الأيام، ولم يكن فيها إلا هذه الأحلام، لكانت وحدها واحة الحياة نلجأ إلى ذكراها من الهجير الذي لقيتنا به الأزمان، هذه الأيام التي وثقنا بها فخانت، وألقينا إلى أيديها آمالنا، فإذا الآمال هشيم، وإذا الذي كان في يقيننا مستقبلا مضمخا بأريج العزة يصبح ماضيا حقيرا أقتر حسيرا تلف حواشيه أتربة الريف المتصاعدة من مشي البهائم على الطريق.
أين ممدوح؟ كان إذا دخل الفصل أقف له، وكيف لا أفعل وأنا ذلك الشيء الذي سبح كالهوام من أعماق الريف؟ من هنا، من الدهاشنة، إلى القاهرة، أم الدنيا، أي دنيا تلك التي يقولون إن القاهرة أمها؟! دنيا حقيرة لا تزيد على الدهاشنة، من هؤلاء الذين يقولون إن القاهرة أم الدنيا؟ زحفت إليها كالهوام وأدخلوني إلى فصلي بكلية الحقوق، وأقبل بعد حين ممدوح، فتى سمهري القوام فارع الطول أبيض البشرة كأنما بشرته لم تلتق بالحياة، ناعم الشعر صقيله قد مشطه صاحبه في عناية فجعله يبدو مؤدبا مطيعا لا تند منه شعرة ولا تثور، إنما هي مع رفاقها تجعل من رأس الفتى الجميل تحفة فنية رائعة، لماذا تعطي الحياة فتغدق؟ ولماذا تمنع فتغلو في البخل؟ هذا الفتى الحلو لا يملك أحد أن يراه ولا يسأل من هذا، شخصية واضح أن الحياة تحبه وتهب له في بذخ، أليس هذا الجمال موهبة كموهوب في الفن أو موهوب في العلم؟ أليس الجمال موهبة؟ سألت من هذا؟ ونظر إلي التلميذ الذي كان بجانبي، شاب مثلي زحف أبوه من الريف وأنجب أبناءه في القاهرة، فلم يغير هذا منهم شيئا، أصبحوا جميعا قطعا من الريف وإن ولدت بالقاهرة، سألته من هذا؟ قال: ممدوح بن حمدي باشا صفوت وزير الزراعة، ولكن حمدي باشا صفوت فيما أعلم فلاح، نعم، هذا الفتى ابن فلاح؟! وقمت واقفا، لم يكن الدرس قد ابتدأ وسألني جاري: لماذا تقف؟ ولم أجب عن سؤاله، أكل هذا الجمال وأبوه وزير أيضا وباشا، إنها فعلا تعطي وتغدق، كنت كلما دخل ممدوح الفصل أقوم واقفا، لم نصبح أصدقاء قط، ولكنه كان إذا لقيني خارج الكلية حياني، أما في الكلية فقد كان يشيح بوجهه كلما رآني أقف له، وفي يوم دخل فوقفت فقصد إلي ضاحكا وحدثني عن الأستاذ لماذا تأخر؟ ومتى سيبدأ الدرس؟ وسألني إن كانت مذكراتي كاملة، ودعاني أن أذهب إلى بيته، بيت حمدي باشا صفوت، أنا، اعتذرت، كيف أدخل، بماذا أدخل؟ بحذائي هذا ذي الرقبة الطويلة والقفل الذي يشبه قفل صندوق الملابس عندنا في الدهاشنة، أم أدخل بشعري هذا القافز إلى الهواء أم بوجهي هذا الترابي اللون أم بحلتي هذه التي تشبه في خطوطها الجلاليب، لا، ما لي أنا وهذا، ولكني فهمت لماذا كلمني، لم أقف بعد ذلك ولم يكملني هو من بعد، أين ممدوح الآن؟ أتراه يذكرني؟ ماذا يعرف عني؟ أنا أقرأ اسمه بين الحين والآخر في الجرائد، أما هو فماذا يعرف عني؟ كنت أحلم أن أصبح مثل حمدي باشا صفوت نفسه، ولماذا لا؟ هو فلاح وأنا فلاح، وهو خريج الحقوق وأنا خريج الحقوق، صحيح اسمه لا بأس به، له رنين فخم، واسمي له صوت كنعير الجاموسة: عليوة، جاموسة تنعر، ولكن متى كان الاسم حائلا دون الوزارة؟ أو هو على الأقل لا يكون حائلا دون الأحلام، أخبار ممدوح في الجرائد لا تفيد شيئا إلا أنه يعيش، أما أنا فهو لا يدري إن كنت أعيش أو لا أعيش، ولكني لا شك أحيا في ذاكرته، ذلك الشاب ذو الشعر القافز الأسمر اللون النحيل الجسم المخطط الملابس الذي كان يقف عند دخوله، لا يذكرني ولكنه لا يعرف عني شيئا من بعد، ظننت أنني لن أقضي في الدهاشنة إلا بضعة أعوام، فإذا الأعوام تتطاول، ثم تتوقف عن المسير، وأظل أنا بالدهاشنة، ترى لو خطبت ابنة رئيس النيابة أيرضى أن يزوجني ابنته؟ إنه يشبه حمدي باشا صفوت، يشبه صوره التي تنشر في الجرائد، والبنت تشبه ممدوح، أبينهما قرابة، لكم أحب بنت البك رئيس النيابة، سنتان الآن منذ رأيتها وهي تنتظر أباها في العربة على باب المحكمة، سنتان وأنا أفكر فيها، لماذا يرتبط تفكيري فيها دائما بممدوح؟ لا أدري؟ أتراني سأقف لها إذا تزوجتها؟ منذ رأيتها وأنا أعمل في جنون، قبلت كل القضايا، حتى قضية إنعام، وأصبحت أملك ثروة الآن، ألف وخمسمائة جنيه، أيرضى البك رئيس النيابة أن يزوجني ابنته إذا أنا طلبتها؟ ولم لا؟ إن كان مركزي الآن لا يعجبه فهو يستطيع أن يعينني في سلك القضاء؟ وأصبح مثله؟ لماذا لا أتقدم؟ أريد أن أكمل الألفين حتى أصبح مطمئنا، هذا العتريس المجرم يخيف الناس، لو أنهم كانوا يخافونه أقل مما يفعلون لحصلت على أتعاب كثيرة ممن يعدو عليهم، ولكنه يرعبهم كأنما يسحرهم، يفترسهم وهم صامتون حتى لا يقول الواحد منهم آه، ذعر هذا العتريس، لو خفت قبضته بعض الشيء لأكملت الألفين، وما لي لا أفعل؟ أنا مصاريفي الشخصية لا تزيد على أجرة المواصلات من هنا إلى المحكمة، ومكتبي إيجاره بسيط، وأصبح لي والحمد لله اسم كبير، أو أصبح لي اسم على أية حال، لماذا لا يقبلني البك رئيس النيابة لابنته؟ لعله يريد لها فتى مثل ممدوح، ولكن الشكل لا يهم، لعلي الآن أفهم في المحاماة أكثر من ممدوح، ما هي الدعوى البوليصية، دعاوى كثيرة حفظناها ولم نستخدمها، لعل ممدوح يعرف الدعوى البوليصية، ولكن لا يعرف كيف يحجر على محصول أو كيف يكتب عقد بيع، إن عقود البيع هذه تفرج علينا فرجا، باب رزق لا يقفل، أكمل الألفين وأتكلم، يكون عندي المهر والشبكة على الأقل، إذا تزوجت بنت رئيس النيابة، بنت رئيس النيابة، آمال الشباب التي أصبحت هشيما تتجسم مرة أخرى، ها أنا ذا أراها هناك على طريق المستقبل وردية كما كانت وردية، مضمخة بأريج المجد والعزة والرفاهية، أرى الأيام القابلة أزاهير من المنى ووديانا من الأحلام وخمائل من رؤى الشباب الباكر.
الفصل السابع
عجيب أن تكسر المرآة فتصبح على هذه الصورة، دائرة في الوسط تتشعب منها الشدوخ في اتجاهات شتى، فإذا هي مرايا شتى وإذا أنا فيها شتى صور وشتى آدميين، أعرفهم جميعا ولا أعرف أحدا منهم، أنا هم كلهم، ولست منهم أجمعين في شيء، هذا، هنا في هذا الجانب الأيمن البعيد، هذا عتريس الطفل، ها هو ذا يضحك في براءة ساذجة، ويحب أن يضحك ما استطاع إلى ذلك من سبيل، ويجلس إلى الشيخ في الدرس، ويحب أن يسمع القرآن ولا يحب أن يحفظه، صعب الحفظ، وهو بنفسه عتريس الذي كان يمر بمجامع القرية فيسخر ويضحك ويجري خائفا، فلا يعدو الخوف على هذه الابتسامة الساذجة المنشرحة فتظل على شفتيه، لم تقض الأيام على عتريس هذا الذي يحب الضحك الساذج، ها هو ذا في المرآة اليمنى، هناك في الجانب البعيد، إني أعرفه ولا أكاد أعرفه، إنه أنا، وأين منه أنا؟ إلى جانبه ذلك الفتى الذي كان يخرج مع جده في سهرات الليل المحفوفة بالمخاطر، وكان يخاف ولكن جده ما زال به حتى أمات الخوف في نفسه، أصبح لا يخاف، ألا أخاف؟ لا يبدو مني الخوف، ولكن ألا أخاف؟ المهم ألا يبدو مني الخوف، وأصبحت أخرج على رأس الرجال ويظل جدي في البيت، وأصبحت ذلك العتريس، هل أنا كما يصفون؟ أنا هنا في هذه المرآة ماذا أبدو؟ هل أعرف هذا الذي يبدو لي أم أنا لا أعرفه؟ أما هذا الذي يليه في الصورة فيخيل إلي أني أعرفه، أو أنا أحب أن أعرفه، ذلك الشاب الذي يحب الصوت الجميل والشكل الجميل والمرح، ذلك الشاب الذي يولع بالجمال أينما يكن هذا الجمال، أحب الصوت الحلو الذي يتغنى به المغني كأنه صلة السماء بالأرض، وما لي بهذه السماء؟ هذا الشاب يحب السماء، ويحب فؤادة؛ لأن فؤادة هي الجمال، أشبه ما تكون بعروس أرسلتها الجنة إلى الأرض؛ لتغري الناس أن يصلوا ويزكوا ويمتنعوا عن، عن ماذا؟ لا جنة لي في السماء، أكثير علي أن تكون لي جنة في الأرض؟ هذا الفتى الذي يحب، أنا أحبه، أهو أنا؟ لكم أحب أن أكونه، أما ذلك الذي بجانبه، هنا في المرآة الوسطى، كبرى المرايا جميعا، هذا الرجل أوشك أن أكون على ثقة من معرفتي به، هذا الشارب الذي يحتفي به ولا يجعله كبيرا يعدو على وجهه ولا صغيرا يعدو على هيبته، وهاتان العينان الحمراوان العميقتان الجريئتان، وهذه الجبهة الواثقة، وهذا الفم القوي وهذا الذقن البارز وهذا الأنف الذي ينبعث إلى أمام كأنه سهم القدر، هذا الرجل في هذه المرآة هو أنا، أهو حقيقة؟ أنا، أفضل هذا الذي إلى جانبه من الناحية الأخرى، الذي يدمع إن سمع دعاء طيبا، ويرف قلبه إن رأى حمامة تدف على زوجها، أو هذا الذي يليه الذي لا يزال يقبل يد والده، من أنا في هؤلاء جميعا؟ ومن هؤلاء جميعا؟ اجتمعوا وما اجتمعوا، وتنافروا وما ابتعد واحد منهم عن الآخر، أهي المرآة جمعتهم وفرقتهم؟ أم تراني أنا جمعتهم ونفرت كلا منهم عن الآخر؟ أم أن هناك قوة أقوى من المرآة ومني ومن الحياة هي وحدها التي تملك أن تجمع الناس وتنفر ما بين بعضهم وبعض؟ أهذه القوة هي التي جعلتني أحب فؤادة؟ لماذا يدوي اسمها دائما في أنحاء جسمي كأنما هو صوت من الجانب الميمون من الحياة، أي شيء جعلني لا أفكر إلا في حبها؟ ولماذا ألتذ شعوري بحبها ولا أتزوجها؟ لماذا انتظرت حتى اليوم لم أتزوجها؟ إن هي إلا إشارة، كلمة أقولها فلا يشرق صبح آخر إلا وتكون فؤادة زوجتي، ولكني لسبب أجهله أحب أن أنتظر وأن أسمع اسمها مدويا في كياني وفي حياتي، ولكن إلى متى أنتظر ؟ من أين يأتي هذا الحب؟ ولماذا يسيطر علي وأحب منه هذه السيطرة؟ أنا الذي لا أطيق أن أسمع رأيا يخالف ما أرى، كيف ألين لهذا الحب وأتركه يفرض علي فرضا بهذه القوة وهذا الجبروت؟ أي أنا في هؤلاء يحب فؤادة؟ هذا العاتي الذي يتصدر المرآة أتحبها؟ ما هذا الوميض في عينيك؟ ما له أصبح نورا وكان نارا؟ ما لملامحك قد كستها إشعاعات من الطيبة وغشتها غلالات من الأحلام؟ وأنت أيها الأنا الذي بجانبه وأنت الآخر وأنت، وكل أنا في هؤلاء، ما هذا الحنين الذي ألقى على وجوهكم جميعا؟ ليس واحدا في الذي يحبها، وإنما كل أنا في يحبها ويحن إليها، ما هذه الوجوه الجديدة التي تزحم المرآة، وجوه أعرفها وتختلط بوجوهي فلا أدري أين صوري بين صورهم، هذا الشيخ إسماعيل الصفوري أصبح ضمن عصابتي بعد أن طرده رجال الدين من بيئتهم، شيخ هو ولكن قلبه أخضر يحب النساء والحشيش، ولم يكن ذا مال، فسرق حصير الجامع الذي كان يخطب فيه وقبض عليه وخرج من السجن لينضم إلى العصابة، فما بقي له من الجانب الآخر من الحياة شيء، وهذا الذي بجانبه عبد المعطي العجل وكيل الدائرة الذي اختلس من العهدة فمر بالسجن لينضم إلي، يمسك حساباتي ولا يمسك عهدتي، وهذا الثالث عثمان شاكر وكيل المحامي زور في المحكمة توقيع أحد الموكلين وتسلم عنه المبلغ الذي حكم له به وأنفق المبلغ عنه أيضا، وخرج من السجن ليكون ضمن مجلس الشورى في مملكتي، مملكة مكتملة، ينظرون إلى المرآة، إلى صورة من ينظرون؟ إلى صورهم، أم إلى صوري؟ إنهم الفئة الممتازة في العصابة ولكن لا صوت لهم بجانب الهمس الذي أهمس به، صدى هم وأنا الصوت، فلئن تختلط صورهم بصوري فلا غرو فما هم إلا شعاع مني وما أصواتهم إلا رنين كلامي، يريدون أن يقولوا شيئا ولكنهم يخافون صمتي كما تعودوا أن يخافوا كلامي، لا يبدءون حديثا لا أبدؤه، لماذا يحلو لي أن ألتذ خوفهم هذا؟ لماذا سكت طوال هذه الفترة؟ لم يبن الضيق على وجه واحد منهم، بل لعلهم إلى السعادة أقرب، أليسوا هم وحدهم بين أفراد العصابة جميعا الذين أسمح لهم بالدخول إلي بغير حرج؟ مكانة يعتزون بها، نعم إنهم إلى السعادة أقرب. - هيه، خيرا يا رجال، أعرف ما تريدون، عملية الليلة، هل الرجال مستعدون؟ على بركة الله.
الفصل الثامن
أحبها منذ عرفت الحياة، مع الومضات الأولى للوعي، مع النبضات الباكرة من الذكرى، منذ لا أذكر متى، وجدت حبها معي منذ تبينت أن اسمي طلعت وأن اسمها فؤادة، ولم أكن في حاجة أن أقول لها أحبك، وإن كنت قد همست بها فلأستمتع بالهمس، حلوة هي الهمسة بين حبيبين، بلورة لحديث من العيون، وتجسيد شعاعات تحيط بالحبيبين لا يدريان ما مصدرها، مغلفة هي بالحب فؤادة، هي لي، وأبي لا يرفض، فهو يحب أن أتزوج فؤادة بل لعله يتوق إلى هذا الزواج، فهو دائما يتمنى أن تتوثق صلاتي بالقرية، ولم لا؟ أنا منها ولا عيش لي إلا فيها، ألم أحصل على أكبر الشهادات ومع ذلك يريدني أبي أن أعمل في القرية؟ عروقي ضاربة فيها، منها أبي ومنها جدي ومنها كل من أعرفه من جدودي، عاشوا بها وماتوا فيها فلماذا لا أمكن لهذه العروق أن تتوغل في أرضها؟ لقد قال لي أبي يوما: لكم أحب أن تتزوج من الدهاشنة، ولم تدهش أمي، بل لعلها رحبت، فأنا أستطيع إذن أن أتزوج من فؤادة، بل إنها في الواقع زوجتي بما بيننا من حب، ولكني أحب أن أسألها، لماذا لا أهمس لها وتهمس لي؟ لا، هناك أهم من هذا، هناك الشيء الأساسي في الحياة، أريدها هي أن تختارني، لا بالابتسامة ولا بالنظرة ولا بما أعلمه من أنها تحبني، ولكن يجب أن توافق على هذا الزواج موافقة صريحة لا شك فيها، بإرادة حرة لا سلطان عليها فيها إلا ما تمليه خوالج نفسها هي، ما تريده في البعيد البعيد من أعماقها، دون أن يكون لرأي أبيها أو أمها دخل في ذلك، لا أريدها أن تتزوجني لأن أباها يريدها أن تتزوجني ، إرادة خالصة بعيدة عن أي مؤثرات إلا رأيها، أريد أن أنال موافقتها نابعة من مشاعرها هي وعقلها هي، أريدها وحدها التي تقرر هذا الزواج، هكذا أريد هذا الزواج، ولن أناله إلا على هذه الصورة، ولن يكون إلا هكذا، فليس بين من عرفت من الناس أحد يقدس الحرية، مثلما تقدسها فؤادة، لماذا أشعر بحنين إليها مهما تكن قريبة مني؟ هذا الحنين هو الحب، أنا في شوق إليها دائم لا يرتوي، أحسه مشبوبا عاصفا وأحسه رقيقا كغناء النسيم أخذ يمسك بتلابيب النفس، وأحسه حرا منطلقا كملاك منطلق في الفضاء الرحب، لكم تحب فؤادة الحرية والعدل.
في الملعب والأطفال يعلبون الكرة وأنا بينهم، وهناك رجل واقف لا أذكر من، كان يحاول أن يعطيني حقا لا يتيحه لي قانون اللعب، وقبل الأطفال؛ فقد كان الملعب ملعبي، وكانت الكرة كرتي، ولكن فؤادة قالت: لا. (لا حازمة)، أنت تلعب مثلنا فيجب أن ينفذ عليك ما ينفذ على كل اللاعبين الآخرين. - ولكنك أنت من فريقي وبهذا التجاوز الطفيف نكسب نحن. - كسبا لا أرضاه لنفسي ولا أرضاه لك ولا أرضاه للحق، ليس هذا عدلا. - أنت حرة، اتركي الملعب. - أترك الملعب راضية. - ألهذا الحد؟ - نعم، إما أن نكون أحرارا في الملعب أو لا داعي للعب. - ما لهذا وللحرية؟ - الحرية هي المساواة امتيازك عن إخوانك عبودية لهم. - إذن فابقى. - ويصبح مثلك مثل سائر اللاعبين؟ - وأصبح مثلي مثل سائر اللاعبين.
Unknown page