في الناس من تنقص همته بزيادة سنه، وتسكن نأمته حين تضعف منته ، أمانيه في حدود جسمه، تقوى بقوته وتضعف بضعفه.
وفي الناس نفوس عظمية هي أعظم من أن يحدها جسم، وأوسع من أن تقيسها سن، مقدمة لا تنثني، منطلقة لا تني. هي كما قال أبو الطيب:
وفي الجسم نفس لا تشيب بشيبه
ولو أن ما في الرأس منه حراب
لها ظفر إن كل ظفر أعده
وناب إذا لم يبق في الفم ناب
يغير مني الدهر ما شاء غيرها
وأبلغ أقصى العمر وهي كعاب
وكم ترى من شيب هم قادة حرب، أو ساسة ملك، أو أئمة علم، لا يفترون عن العمل، ولا ينالهم بالمشيب كلل. يجتمع لهم في المشيب العلم والتجاريب، فهم أحصف من الشبان بالعلم، وليسوا دونهم نشاط جسم. شيب هؤلاء على رغم السنين، أقوى من الفتاء عند آخرين. إنما هي قوة الأنفس تتجلى في الشباب والهرم، أو ضعفها يستوي فيه الحداثة والقدم.
إني لأعرف شيوخا في السبعين، هم أمضى جنانا، وأذرب لسانا، وأشد على الشدائد إقداما، وأثبت في اللأواء أقداما، من شباب خانعين لم يجاوزوا الثلاثين.
Unknown page