قلت: ولم يكن بعيدا أن يبغت أحدهما صاحبه بضربة قاضية، ولم يكن بعيدا أن يتخالسا نفسيهما بضربتين تقضي عليهما معا، أو أن يتضاربا ويتجالدا حتى يقتل أحدهما الآخر؛ كل هذا من الريبة والتهمة وفقد الثقة.
وكذلك الأمم اليوم فريقان، كل ينظر إلى صاحبه ويخافه ويحذر منه ، ويتوهم أنه مفاجئه اليوم أو غدا. وكل يعمل ليل نهار للتسلح والإعداد بكل ما خلق العلم والصنعة من آلات مقتلة مدمرة مخربة، وينادي أنه لا يبغي إلا السلام. ولكن صاحبه يضمر له الغدر وينوي به الفتك، فماذا عسى أن يفعل؟
وليس بعيدا أن يتماديا في التنافر وتبادل التهم حتى يفجأ فريق فريقا بحرب ليدفع عن نفسه بزعمه، أو يفاجئ الفريقان بعضهما بعضا على وفاق، ذلكم بما فقدت الأمم الثقة. وإنما فقدت الثقة بما جربت الغدر والكذب، وإنما تكاذبوا وتغادروا بما فقدوا المروءة التي كانت تنأى بالأحرار عن هذه الرزائل، وإنما فقدوا المروءة حينما هبطوا من الإنسانية إلى الحيوانية ونسوا الأرواح وذكروا الأجساد، فصاروا في هذا الكفاح أشباحا بلا أرواح. فهل من معتبر؟
الأحد 25 شعبان/11 يونيو
آداب الضيافة عند العرب
للعرب، ولا سيما البداة، آداب في الضيافة يعنون بها ويحرصون عليها، ويشفقون من خلافها؛ يخافون العار وسوء الأحدوثة. ولهم في الدعوة إلى الطعام، وفي ترتيب الدعوات إذا تنافس الداعون، عرف متبع لا يحيدون عنه. بل لهم قضاء في أمور الضيافة يترافعون إليه؛ ليعرف المحق والمبطل، والمؤدي واجب الضيافة والمقصر. ترى هذا في بوادي مصر وبوادي بلاد العرب على تغير العرف قليلا واختلاف العادات باختلاف المواطن.
وشهدت كثيرا من ضيافة العرب في أسفاري، وأقربها عهدا ما رأيته في موضع اسمه «مدركة» في طريقي من جدة إلى مهد الذهب إلى المدينة. نزلنا بها بعد الغروب، وكان معنا دليل من قبل الحكومة السعودية؛ فضربنا خيامنا ورأينا كوخا قريبا فيه نور قيل: إنه مجلس أمير مدركة، وكل آمر في بلد أو إقليم هناك يسمى أميرا. وبعد قليل جاء الرجل مسلما ولم يجلس، ورجع وأرسل من يدعونا إلى مجلسه. فذهبنا فجلسنا على بسط ووسائد، وأمامنا وسط المجلس موقد للنار مهد في الأرض وسوي وحوله أدوات القهوة صفراء تسر الناظرين. وللقهوة من يتولاها؛ يدق البن على ضربات موقعة ويقدم القهوة على الترتيب، يتجه إلى صاحب الدار فيشير إلى الضيف الذي يبدأ به.
وبعد قليل انصرفنا ، وأرسل الشيخ من يعرفنا أن عشاءنا عنده. وبعد هزيع جاء الداعي، فسرنا إلى دار وجلسنا في حجرة على بسط وضع في وسطها سفرتان، على كل واحدة خروف على طبق كبير فيه أرز، جلسنا على واحدة وجلس أتباعنا على أخرى، والرجل يعتذر بين الحين والحين بأنه لم يتوقع قدومنا، وما قصر في شيء بل أكرم وبالغ. والقوم في الجزيرة - ولا سيما في نجد - يقطعون للضيف قطعا صغيرة إكراما له، ويتناول هو ما يريد ولا يلحون على الضيف ليأكل كما نفعل في مصر؛ وقل أن يقال له: كل. وكانت العادة في نجد أنه إذا قام الضيف الكبير قام الآكلون جميعا حتى أمرهم بتغييرها جلالة الملك عبد العزيز؛ فمن شبع قام، واستمر من لم يشبع.
الإثنين 26 شعبان/12 يونيو
إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
Unknown page