هذه الضوضاء حرمت الإنسان سكونه، وسلبته عقله وقلبه، فقامت الخصومات واشتعلت الحروب، وثارت الثائرات في نواحي الأرض.
وآفات أخرى في الأخلاق والآداب يضيق المقام عن إحصائها أو العد منها.
ما أعظم هذه الحضارة نعمة على الإنسان؛ لولا هذه الآفات!
الجمعة 23 شعبان/9 يونيو
اللذة الكبرى
كل لذة مادية، ضئيلة سريعة الزوال، بل تنقلب ألما إذا جاوزت حدودها. وما أضيق هذه الحدود؛ فالطعام الذي يلذه الطاعم، تنفر منه نفسه حين يشبع، والشراب الذي يحبه يعافه إذا أفرط فيه، وكل شهوة حسية إنما هي متعة دقائق، تزول أو تحول ألما، إذا أفرط فيها الإنسان ضعف عنها فحرم منها. إنها لذات جثمانية محدودة بالجسم وهو ضئيل ضعيف.
وللإنسان لذة أخرى لا تحد، لا يحدها زمان ولا مكان، كلما طالت زادت وكلما قدمت رسخت. لذة لا تقدر بحدود الجسم ولا طاقته؛ هي لذة الروح، والروح تأبى على الحدود والقيود. فاللذة التي يجدها الخير في فعل الخير، واللذة التي يجدها الكريم حين يفرج الكرب عن الناس، وحين يواسي المرضى والضعفاء، واللذة التي يوحي بها المرأى الجميل في أرجاء السموات والأرض، ولذة المعرفة والاطلاع والبحث والازدياد من العلم، ولذة التأمل في المعاني الجميلة التي لا تحد، واللذة التي يشعر بها العابد حين يقف في محرابه ويخلع نفسه من المادة فيستمد من الله النور والجمال والخير والحق، حتى يفيض قلبه نورا ومحبة ورحمة، كل أولئك لذات أعظم وأوسع وأجمل وأبقى من اللذات الحسية، ولكن أين من يدرك هذه اللذات ويقومها فيعمل لها ويستمتع بها؟
السبت 24 شعبان/10 يونيو
فقد الطمأنينة والثقة
حكي أن رجلين سافرا في قطار ليلا، ولم يكن في المقصورة معهما ثالث، فاستوحش كل واحد من صاحبه، وتوجس منه شرا، فنظر إليه يرقبه خائفا أن يفتك به. وكلما نظر أحدهما إلى الآخر زاد خوفه وكثرت وساوسه، وخيل إليه أن صاحبه سيفتك به إن لم يبادره هو بالفتك. وبقيا كذلك في خوف وحذر حتى افترقا.
Unknown page