الثلاثاء 20 شعبان/6 يونيو
الكتب وأصحابها
بين الكتب وأصحابها معرفة وأنس وود، هو يعرف قدرها ومكانها من العلم ومن تاريخ العلم، وموضعها من خزانة كتبه، ويعرف متى اشترى الكتاب وأين اشتراه وكم قرأ فيه واستفاد منه، والكتاب يعرف يد صاحبه فيه، وعينه عليه، وتقليبه صفحاته وقراءته سطوره، وتعليقه في حواشيه، ويعرف له رعايته وصيانته.
والكتاب ميسر لصاحبه، يعرف ما شكله وأين هو. ربما يهتدي إليه في الظلام ولا يهتدي غيره في النور. وهو يعرفه دون قراءة كتابة عليه، وقبل فتحه؛ بما صحبه وعرف هيئته. وهو يعرف مواضع حاجته منه وأمكنة الاستشهاد فيه.
فالكتب متصلة بصاحبها، حية به تعرفه ويعرفها وتألفه ويألفها.
فإذا غاب صاحب الكتب عنها فقد غاب أبوها وراعيها ووافيها وصاحبها، فهي ميتة لا حياة فيها وهي جامدة لا حس بها، وهي أوراق لا تنطق ولا تجيب، وهي نكرات منبهمات لا تعرف، وهي همل مسيب وسوام مضيع.
نعم الصاحب الكتاب ونعم الجليس! لا كما وصف أبو عثمان الجاحظ وكما قال أبو الطيب المتنبي فحسب؛ ولكنه فوق ما قالا، موصول بعقل الإنسان وعلمه وإلفه ووده وحبه، حي به، ميت بدونه، محس متكلم مخاطب معه. وفي غيبته لا حس له ولا حركة ولا نطق عنده ولا خطاب.
وما أعسر بعد الكتاب عن صاحبه، وما أقبح إعارته إياه لمن يذيله ولا يعرف حقه ولا يحسن صحبته، وإن رده بعد قليل! فكيف بالمستعيرين المضيعين الذين لا يردون ولا يذكرون ولا يعتذرون؟! ألا ساء ما يعملون! وأسوأ منهم صاحب الكتاب الذي سمحت نفسه بفراقه، وضيعه عند من لا يقدره قدره.
الأربعاء 21 شعبان/7 يونيو
قومي الصالحون
Unknown page