إن الإنسان في عمل دائم وجهاد مستمر، وسير لا ينقطع. السعيد من أعين على العمل بالعقل والجد، ويسر له الجهاد والمسير بالعافية؛ عافية النفس والبدن، والعافية من الحادثات. والله المستعان.
الإثنين 19 شعبان/5 يونيو
صحبة الحيوان
يستطيع الإنسان بإحسانه وإيناسه أن يستأنس الحيوان ويؤلفه ويصاحبه ويواده، ويدرك في هذه الصحبة معاني الأنس والصداقة والوفاء.
وكم قرأنا عن صحبة العربي فرسه، وإيثاره بالقوت، ومخاطبته في السراء والضراء! وقرأنا عن مواساة البدوي ناقته وتحدثه إليها بهمومه في أسفاره، ووصف حنينه وحنينها وصبره وصبرها، والشعر في هذا كثير.
وقد سمعنا عن فرس صام وحزن على فارسه حتى لحق به، وعن كلب لزم قبر صاحبه أو مكانه في داره حتى نفق.
جاءت إلى الحجاز بعثة مكافحة الجراد المصرية فضربت خيامها في الصحراء شمالي جدة، وكنت أتردد على هذا المخيم وآنس به وبصحبة إخوان كرام فيه، وأدعو الأصدقاء إليه، فرأيته على كثرة من يغشاه يعوزه كلاب تجول فيه وتصاحب أصحابه نهارا، وتنبح الطراق ليلا، وثلة من الضأن والمعز يكون لها حول المضارب ثغاء ويعار. وما زلت حتى التمس أعضاء البعثة الكلاب من كل جانب فأتوا بثلاثة، وغشيت المخيم كلبة فوجدت عيشا آمنا فأقامت بغير دعوة، وولدت. وجاءت عنز وثلاثة خراف.
قلت: الآن صار المخيم جديرا باسمه، وأنسنا بمرأى الحيوان في لعبه ومرحه وقربه وبعده.
وضربت الأيام ضرباتها فإذا البعثة تتهيأ للرحيل. فأما الغنم فمنها ما جزوه سوءا فذبحوه، ومنها ما وهبوه. وأما الكلاب فأشفقت أن تترك هناك فاجتهدت في إيداعها عند من يصونها، ففرقتها على من أعرفهم، على رجاء أن تعود إلى البعثة حينما تعود.
وقوضت الخيام وأقفر الموطن وفي النفس ما فيها من ذكر الأصحاب، وفيها كذلك ذكرى الحيوان وأنسه بالإنسان.
Unknown page