نعم، إن سنك الحق ما تحسه في جسمك ونفسك لا ما تعده من سني عمرك، وإن شهادة العمر أسارير وجهك، لا سطور ورقة ميلادك.
الأربعاء 7 شعبان/24 مايو
على قدر القرب تحاسبون
كلما صليت في المسجد الحرام فرأيت التفاف المصلين حول الكعبة، تذكرت أن المصلي هناك عليه أن يتوجه إلى الكعبة لا يحيد عنها يمنة أو يسرة ولا يقبل منه إلا إصابة عينها، لا يجزئه إصابة جهتها، وأن المصلي في المواضع الأخرى يقبل منه أن يتوجه جهتها، ولا يكلف أن يكون وجهه إلى بنائها بل يسامح في الانحراف والارتفاع والانخفاض، فجال في نفسي هذا المعنى: إن الحساب على قدر القرب، فالإنسان يكلف بحاجات الإنسان على قدر قربه، وكلما قربت القرابة زاد التكليف، وعظمت الحرمات، وكثرت التبعات. وكذلك الإنسان مع ربه كلما زاد قربه إلى الله تعالى بإدراك عقله ما أحاط به من قوانين الله وآياته، وبشعور وجدانه بالله واستنارته به، كلما أدرك الإنسان صلات القرب هذه واخترق بعقله وقلبه الحجب، كثرت عليه التكاليف، وعظمت التبعات، وطولب بما لم يطالب به الجاهل الغر والمفرط الغافل.
وهكذا تعظم التبعات على قدر رقي الإنسان في درجات الكمال حتى يصدق ما قيل: حسنات الأبرار سيئات المقربين. وهكذا تختلف الواجبات على اختلاف الدرجات، فعلى العالم أمور لا تجب على الجاهل، وعلى الحاكم تكاليف لا تجب على الرعية، وعلى القادة تبعات ليست على التبع ... وهلم جرا. فقياس كمال الإنسان ما يؤخذ به من أوامر ونواه استجابة لما يدرك عقله ويشعر به قلبه، فليحاسب كل امرئ نفسه على قدر ما آتاه الله من قدرة في الجسم والعقل والعلم والإدراك والشعور.
يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير .
الخميس 8 شعبان/25 مايو
على الله
كنت اليوم في فندق مصر الذي بمكة المكرمة في مجلس جمع بعض الإخوان، فدخل رجل ووقف بعيدا منا وأشار إشارة عرفتنا أنه سائل، ودعا أحدنا ابنا له أن أعطه شيئا، فأعطاه شيئا فرآه السائل قليلا فرده، فعجبنا وضحكنا، فأخذه الرجل ناحية وأعطاه ما أرضاه فأشار إشارة التسليم وخرج.
قال أحد حاضري المجلس: جلست على مقهى في أطراف مكة خارج باب جدة، فجاءني سائل فقلت: على الله! فانفتل مسرعا لم ينطق بكلمة ولم يشر إشارة، فعجبت من أمره وأسفت أن لم أعطه، فأرسلت خادمي بريال، فقال الرجل: لا لا، قلتم على الله فلا آخذ شيئا، قال فرددت الخادم بريالين فلم يقبل، وقال: قلتم على الله فلن أقبل شيئا، قال: ورددت الخادم المرة الثالثة فألح عليه ليأخذ، فقال للخادم: والله لئن أعطاني عمك (سيدك) ألف ريال وهذه السيارة التي معه لا أقبل شيئا. قال المحدث: لقد تمنيت حينئذ أن يقبل مني ألفي ريال.
Unknown page